إنسان على فيسبوك

غيمة عشتار : قصص تحدث على ارض غزة ..

0
صدر هذا الأسبوع عن دار إنسان للنشر والتوزيع رواية غيمة عشتار للكاتبة الفلسطينية ديانا الشناوي , الرواية تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط وتدور أحداثها داخل مدينة غزة ..اطلبه الآن : 00201017600708
insanfirst@gmail.com

فصل من الرواية : 
امرأة جميلة .. هكذا يعاملني الجميع من يوم فتحت ناظري ورأيت شمس الحياة.
بيضاء, ناعمة, شعر طويل, شفاه مكتنزة  وعيون ساحرة..
آه.. ولن أنسى جسدي,  لعنتي التي طاردتني كل العمر, الجميع  يلتهمني بنظراته, خلقوا داخلي وحش الرغبة.. ثم رجموني على خطيئتهم
صباح الحنين على مرأى بحر بعالمه السري.. مراكبه المتراقصة.. لحن الموج الحزين أعلم منه أن مزاج البحر اليوم خافت.. سماؤه لوحة خربشتها طفلة مشاغبة على غفلة منه لكنه يبتسم ويحضنها كأم حنون.. كم مرة نقشت معها صور كثيرة لأحلامي؟ .
متحدية الزمن تلك الصخور القديمة.. رجل على صخرة بعيدة !
آخر ما تمنيت أن أرى رجل !
سأعتبره عفريت قذر وأسقطه من عقلي ليتفتت على الرمال وأواصل سيري عليه..
يا الهي ! كل الرجال متشابهون.. لو أنه أمامي الآن كان سينظر لي نظراته المقززة الجائعة, ويفرض وجوده علىَ رغم أنفي, رغم رفضي وامتعاضي , ليذهب إلى الجحيم !
أحببت دائما المشي على رمال البحر.. تزهر طفولتي, أضحك ملء قلبي, أمتلك سعادتي
سلمى.. اسمي الذي أحببت كل حرف فيه.. حين يسألوني ما اسمك أشعر بالفخر وأنا أنطقه .. اسمي سلمى, أنا لاجئة من يافا  ..
أوفر عليهم عناء سؤال آخر.. هل أنت من غزة أم لاجئة ؟
نعم لاجئة بكل ما تحمله الكلمة من وجع، من شتات, نحن نلجأ للحماية من خوف يسكننا مرغمين، نهرب من موت وتبكي داخلنا.. ننزف وجعًا على فقدنا.. ثم نحمل هذا النزف في جيناتنا ونورثه لأبنائنا ولأجيال من بعدنا.. مضى عمري كله وأنا لاجئة والآن ألجأ إليك أيها البحر بخطى ثابتة واثقة وبسمة على حرف القلب.. لا أدري قدماي تمشيان على الطريق أم هو من يجري بهما.. الرمال ساخنة ألهبت دمي الصاعد في شراييني بقوة, البحر يقترب زرقته تشبع حواسي.. رائحته تملأني متعة خفية، أحب أول الميناء, لا شيء أمامي إلا البحر.. لا أعرف ما يدور خلفي أفتح يدي وأغوص في عالم سحري.. أتشبع من هواء يخترق أجزائي يشعل فتيل سعادتي, يجعلني أبتسم, إنه أكثر الأماكن التي ترسم ابتسامة تلقائية على وجهي..
للابتسامة أيضا لون, بعضها أبيض صاف صادق, وأخرى حمراء بنبض عنيف صاخب.. وبعضها سوداء كاذبة مخادعة, وأجملهم تلك التي بلون قوس قزح, ملونة محلقة يرقص كل ما بك معها وتمتلك بها سر من أسرار جمال الحياة ..
أما ابتسامتي فهي بلا لون.. كل ما بي أصبح بلا لون منذ اجتاحت مشاعري فوضى عارمة وسكنت مساحات روحي الفارغة سواد الحكايا.
جئتك أيها البحر لأتحرر من جسدي وأسبح في الخفة.. أغرق في بياض لا نهائي تبتسم فيه الروح بكل الألوان.. أشعر بدفئك.. أتحرر من أسوار نفسي.. أرمي بك كل ثقلي.. لن أغرق بعد اليوم في كهف أحزاني تبلل دموعي كل ليلة مخدة الوجع .. لن يمر ليلي طويل بطئ يذبحني بسكونه وسكين تنهيداتي.. يغمد آلامه في صدر يومي وأنزف بانتظار ليل آخر
أسمع ضجيج قلبي وينتفض من مكانه.. ينبض بقوة ووحشية.. أرى الأفق أمامي امتزاج الأزرق بالأزرق
لذة اتخاذك قرار يناسبك يعادل لذة لقاؤك بأجمل من اشتهيت يومًا,  خصوصًا لمن مثلي لم تكن صاحبة قرار، دائما هناك من يقرر ويخطط وأنا أنفذ فقط..
البدايات لها وميض اللهفة والشغف, تتسربل لحظاتها, تسكن دمنا, نظن أننا سنبقى ضمن دائرتها الوردية.. البدايات دائما مساحيق تجميل كاذبة مزيفة، العبرة  بما يأتي بعدها.. عندما ينكشف الوجه الحقيقي للشخص.
مشكلتنا نحن النساء أننا نعيش  لحظة البدايات في كل مراحل العلاقة حتى نهايتها.. مهما يحدث لنا تبقى لذة إحساس بداية المشاعر وجمالها هي المسيطر الأكبر علينا فنتناسى الخيانة ونغفر الأخطاء متذكرين دوما تلك اللحظات التي خطفت أرواحنا .. تبقى تجرنا كذبات البداية نحلم أن يعود الزمان إلى الخلف فيأسرنا الوهم,  نعيش في ظلمات المخيلة المرضية, نريد استرجاع الماضي و بعد أن تنتهي بنا الحكاية، عرايا نغرق في وحل الدموع والذاكرة .
مللت بداياتي وقتلتني النهايات المرة واكتشفت مع كل تجربة حقيقة أن الرجال يتشابهون بالفعل والقول .. وأننا لفرط احتياجاتنا نصدق في كل مرة بسذاجة يحكمها قلب تخلى تماما عن عقل يوجهه ويقول له لا تذهب إلى هناك .
مشيت بملء إرادتي حتى اهترأ قلبي ورفضني جسدي .. لم أعد أحتمل .. أحاطني السواد من كل جانب ..
أريد التحرر .. أظنه بك ومعك .. ستغسل خطيئتي .. لأعود صفحة بيضاء كما كنت, هذا هو غفراني , هكذا ستنتهي ذنوبي للأبد
هي لحظة جرأة فقط وسينتهي كل شيء .. افردي ذراعيك قليلا, اخلعي عباءة خوفك, تحرري من ثقل قدميك وتقدمي
تخلصي من أعبائك , واقفزي ..
ماء بارد يغطيني .. أهبط, يتسرب قليلٌ منه إلى جوفي, أكتم أنفاسي, أبحث عن قشة أتعلق بها .. أصارع المياه الباردة, يمر بي شريط ذكرياتي
طفلة صغيرة بوجنتي عصير الرمان تلعب تحت سريرها مع عروستها الشقراء .. وجه أمي وشفاه كثيرة تتكلم دون توقف .. صور لرجال يغطيهم ضباب الذاكرة .. أطفالي ..
 يلوح لي صغيري " ماما بدي أبوسك "
صوت طائرات, قصف .. جثث .. احتفالات النصر
عروس صغيرة تلبس الأبيض ووجه برئ بعيون يملؤها الأمل ..
ماء يتسرب إلى جسدي المستسلم .. نور قوي يغطيني ..أتوه في البياض


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجتمع مصر

اقتن نسختك الآن

اقتن نسختك الآن

التبادل الاعلانى

Discussion

جميع الحقوق محفوظه © دار إنسان للنشر

تصميم الورشه