إنسان على فيسبوك

تعرف على شروط المشاركة في المسابقة الادبية المركزية بقصور الثقافة

0

نقلا عن اليوم السابع
أطلقت إدارة الثقافة العامة التابعة للإدارة المركزية للشئون الثقافية، المسابقة الأدبية المركزية للعام المالى 2016-2017 "دورة الأديبة نعمات أحمد فؤاد"، فى مجالات الرواية والمجموعة القصصية وديوان شعر الفصحى وشعر العامية والدراسات النقدية.
ويشترط فى المتقدم للمسابقة أن يكون مصرى الجنسية، وألا يكون المتسابق قد تقدم بالعمل فى المسابقة أو أى مسابقة أخرى لأى جهة نشر ولم يفز بأية جائزة من جوائز المسابقة الأدبية المركزية خلال السنوات الخمس الأخيرة، كما يلتزم المتسابق بالمراجعة اللغوية لعمله المتقدم به للمسابقة، ولا يحق للمتسابق المطالبة باسترداد العمل أو الاشتراك فى أكثر من مجال من مجالات المسابقة.
ويتقدم المتسابق بعمله من 3 نسخ بالإضافة لأسطوانة مدمجة تشمل نسخة "ورد" من العمل المقدم بجانب صورة بطاقة الرقم القومى سارية وصورة شخصية حديثة وملف منفصل يشمل السيرة الذاتية للمتقدم للمسابقة وتقدم الأعمال فى أقرب قصر ثقافة أو إلى الإدارة العامة للثقافة العامة 16 أ ش محمود سامى مبنى ب الدور السابع فى موعد أقصاه 31 يناير 2017.
ويشترط فى الأعمال المقدمة فى مجال الرواية والقصة القصيرة ألا يقل عدد صفحات العمل عن 70 صفحة من مقاس A4 منسوخة بالكومبيوتر بخط سيمبليفايد 14، بينما فى مجالات ديوان شعر الفصحى وديوان شعر العامية فيشترط ألا يقل الديوان عن خمس عشرة قصيدة أو فى حدود 70 صفحة من مقاس A4 منسوخة على الكومبيوتر بخط سيمبليفايد 14.
أما فى مجال الدراسات النقدية فيكتب المتسابق فى أحد الموضوعات الآتية "تجليات الحداثة فى إبداعات محافظتى، ثقافة الهامش فى الرواية والقصة القصيرة فى محافظتى، استلهام التراث لدى مبدعى محافظتى، ويشترط أن تكون الدراسة مكتوبة باللغة العربية الفصحى وأن يلتزم الباحث بأصول البحث العلمى، وألا يقل عدد صفحات الدراسة عن 100 صفحة من مقاس A4 منسوخة على الكمبيوتر بخط سيمبليفايد 14.

الوصايا العشر لمن أراد أن يعيش بمصر - د. أيمن نور

0
الوصايا العشر لتغيير من لا يريد أن يتغير
من كتاب مصر السجينة عن عصر مبارك
د. أيمن نور

إلى إخواني الأحباء في الغد وكفاية والصديق كمال خليل :

كنتُ دائما أدعو الله أن أموت والقلم في يدى ..
كنت أتصور أنه مهما أطفأوا المصابيح سيظل قلمي هو الشمعة التي أقاوم بها الظلم والظلام وفجأة وبدون مقدمات صدر قرار بتحريم الشموع وتجريم حمل أعواد الثقاب ..
فجأة لم أجد ما يؤنس وحدة سجني، لم أجد قلمي وورقي بعد أن توحموا عليه  ، لم أجد سوى الصمت والظلام ومزيدًا من الإمعان في الظلم .. 
أضربتُ احتجاجا عن الطعام حتى كدتُ أن أفارق الحياة .. أضربتُ عن الدواء لكنى لم أضرب عن الكلام ، لم أضرب عن الإصرار والتمسك  بحقي المشروع في الحياة ..
حقي في أن أقول كلمتي ، وأن تولد كلمتي طبيعيًا ولا تصلكم عبر عملية قيصرية تقفز فيها الأسوار، وتعبر القضبان وكأنها شحنة من المخدرات أو قطعة سلاح معدة لارتكاب جريمة ..
قرابة الستة أشهر وأنا أقاتل كل أسبوع كي أهزم هذا القرار الظالم قبل أن يصدر حكم القضاء ..
 24أسبوعا تخرج سطورى هكذا لتولد قيصريا مرتين في الأسبوع  ..
الأولى في اللحظة التي تعبر فيها كل هذا الحصار والقضبان والأسلاك الشائكة لتصل اليكم  ..
 24 أسبوعًا كانت النتيجة 23 /1  لصالح الحرية .. مرة واحدة سقطت إحدى هذه الرسائل أو بالأصح نسخة كربونية منها ، و23  مرة كانت النسختين تصلان إلى الجريدة لتدور المطابع وأتنفس معكم حرية ..
سجاني لم يقرأ أبدًا التاريخ ..
لا يعرف أن الأجساد فقط هي التي يمكن أن تسجن وتكبل حريتها ، أما الأفكار فهي ذات أجنحة تصل في كل وقت مهما كانت درجة القهر والظلم  ، ومهما بلغت كفاءة الحصار وصرامة الرقابة  ..
سجاني لا يعرف أن الحرية لا تهزم إلا عندما يستسلم المطالبين بها وهذا ما لا يمكن أن نفعله ، وما لا يمكن أن نفكر فيه ..
قد نخسر في معركة الحرية موقعة وقد نهزم في موقعة ، وقد يسقط بعضنا صرعى السجن والتلفيق والظلم ، لكن كل خطوة حتى لو كانت للخلف هى خطوة على طريقنا لإدراك نصر جديد للحرية فى هذا الوطن العظيم ..
متى يقرأ كل سجان كتاب التاريخ ليعرف أن الحرية كائن غير قابل للتعليق على أعواد مشانق الصمت !!
الحرية كائن نوراني خالد لا يموت بفرمان سلطوى ولا يعيش بحكم قضائي ، فالحرية هي أعظم آيات الله علي الأرض ..
الحرية لا تموت أبدًا إنما يموت من يحاول أن يدفنها ..
ليست هذه المرة الأولى التي أُمنع فيها من الكتابة ، فقد قُصف قلمي و حاولوا منعه عدة مرات ثم عاد قلمي يكتب مرات عديدة ، تصوروا أنهم دفنوه إلى أن بٌعث حيًا من جديد ..
كثيرًا ما صلبوه فتخلص من المسامير ، وعلق جلاديه فوق الصليب .. مٌنعت من الكتابة سنة 1987 وسافرتُ إلى لندن للعمل بجريدة الحياة ، وذهب الذى منعني وعدتُ للكتابة بعد شهور قليلة ..
مٌنعت من الكتابة عندما خضتُ انتخابات الرئاسة ووكالة مجلس الشعب عام 2000 وحصلت على 168 صوت فصدر قرار بمنعى من الكتابة في سبع صحف فى يوم واحد!!  كان من بينها صحيفتين حزبيتين كنت أنشر في إحداهما مقالاً يوميًا ، وفى الأخرى مقالاً أسبوعيًا فضلاً عن مجلة أكتوبر وعدة صحف مستقلة ، اعتذرت جميعها !!
لم تمض إلا أربع سنوات احترفتُ فيها المحاماة وأعاد الله لى ليس قلمى فقط ، ولا مقالاً ينشر هنا أو هناك بل أعطاني صحيفة تحمل أجمل اسم وأحلي حلم ..
حلم " الغد " ..
يبدوا أنى صاحب سوابق في تحطيم من يحاول قصف قلمى ، فالتاريخ علمنى أن عمر القلم دائمًا أطول من عمر من يحاولون قصفه ، فالأقلام تبقى والدول تزول !! ومعارك الحرية لا تنتهى فلا أحد يملك قرار بمنع الشروق ومهما غربت الشمس لابد أنها ستعود وتشرق من جديد ..  الأغبياء فقط هم الذين يتصورون أن الليل ــ مهما طال ــ يمكن أن يستمر إلى الأبد !!
حقًا  .. البقاء لله ..

دولة ما تزورها فعليك أن تزور دورات المياه العمومية ، وإذا أردت أن تتعرف على حكومة هذه الدولة فعليك أن تقف علي حال سجونها .. فالسجن هو الحكم .. هو المرآة التى تعكس مدى قدرة الحكم على احترام الدستور والقانون .. هو الدليل القاطع على عصرية هذا النظام أو أنه ينتمي للقرون الوسطي !!
فشهادة حق أن السجون فى مصر لم تعد تنتمي للقرون الوسطى ، وإذا أردت الدليل القاطع فعليك أن تسأل 
كم هي المدة التي كانت البرقية التلغرافية تستغرقها في القرون الوسطي لتصل من أحد اطراف الدنيا إلى الطرف الآخر ؟؟
يوم .. أسبوع .. شهر ؟؟   
ربما لا توجد لدي إجابة عن المدة الآن فى السجون ، فقد قررت أن أستخدم حقى المنصوص عليه في حقوق السجون وعمره نصف قرن وأن أرسل برقية تلغرافية لأمر عاجل ..
سلمتُ البرقية للعميد سمير سالم مأمور سجن طره العمومى طالبًا خصمها من حساب أماناتي كما ينص القانون ، وبدأ العميد رحلة البحث عن الموافقة ..
إلا أن مدة خدمته في السجن انتهت قبل أن يحصل عليها !!
حل محله العميد عبدالقادر جوجو إلا أن القدر لم يسعفه أن يحقق هذا الإنجاز الضخم بالحصول على الموافقة على إرسال هذه البرقية !!
وخرج العميد جوجو وحل محله مأمور جديد هو العميد عبدالحسن العديسى وقد وفقه الله في أن يحصل على تلك الموافقة التاريخية للبداية في إجراءات إرسال البرقية المكونة فقط
البقاء لله "
لا ديموقراطية بلا ديموقراطيين ، ولا ديموقراطية بلا رجال صادقين يؤمنون بحق الأمة ويحترمون الشعب ، فى 23 اغسطس رحل عنا شيخان من مشايخ الطرق الديموقراطية .. رمزان من رموز الليبرالية المصرية ، الشيخ الأول وكان أزهريًا معمّمًا وتلميذًا للإمام محمد عبده والأفغاني ، هو الزعيم سعد زغلول ، أما شيخنا الثانى فهو ملاك الوطنية المصرية مصطفى النحاس الذي بلغ من النقاء والصفاء ما يكسبه مكانًا رفيعًا وخالدًا فى قلوب المصريين ..
سعد والنحاس أهم زعماء هذه الأمة بلا منازع .. كان لكل منهما حضورًا طاغيًا ومؤثرًا في مسار الأحداث ، لكن غيابهما أيضًا كان له ذات التأثير الطاغي .. عندما غاب سعد للمنفى ، تفجرت أعظم ثورة في تاريخ مصر وأهم ثورات الشرق التي كانت مصدر إلهام غاندى ونهرو والعديد من زعامات الأمم التى كانت مثلنا تبحث عن الحرية ..
 وعندما غاب النحاس عند الوفاة كانت جنازته في أصعب الأوقات وأشدها قهرًا شهادة ميلاد جديدة لزعيم أحب الناس فأحبه الناس ، أنا لا أسعد بأن نحتفل بالعظماء من الرموز والرجال في ذكرى وفاتهم السنوية وأحسب أن هذه عادة مصرية قديمة , الذين كانوا يحتفلون بالموت والغياب أكثر مما يحتفلون بالحياة !!
ففى كل الدنيا يحتفلون بالميلاد مثل ميلاد جورج واشنطن محرر امريكا ، ميلاد غاندي وميلاد جيفارا وأنا لهذا السبب لا أحب أن يحتفل أحدًا بذكرى وفاة أي رمز بل أفضل الإحتفال بذكرى ميلاده والإستثناء الوحيد على هذا هو حالة سعد زغلول ومطفي النحاس ، فأعظم ما فى حياة الزعيمين هو حجم تأثير غيابهم مما يجعل للإحتفال بذكرى الغياب معني مختلف ، لقد اعتقل سعد زغلول وكان هذا الغياب الأول أعظم سبب لأعظم ثورة في تاريخنا ثم اعتقل زغلول ثانية في عام 1921  بقرار من الحاكم العسكرى البريطانى الذى هدد أى مواطن مصرى يذكر اسم سعد زغلول بالسجن ، فكان اسم سعد على كل لسان وهو مبعد ومنفى ، وكانت الناس تتغني ) يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح )  للتغلب علي فرمان اللمبى ، لقد أُبعد زغلول في ديسمبر 1921 لأنه طالب بالحرية والدستور فصدر دستور 1923  أعظم دساتير مصر وسعد زغلول مبعد ومسجون في جبل طارق علي بعد آلاف الاميال ، لقد عاد زغلول بعد غياب سنوات وألف أعظم وزارة فى تاريخ مصر وزارة الشعب 1924  أمام حبيبى وشيخى الذي لم أره مصطفى النحاس ، فيوم أن أسقطوه عام1925  فى الانتخابات فى دائرته في سمنود لم يمض غير عامين ليعود النحاس زعيمًا للأمة المصرية ويرأس عدة حكومات ، كم كان مدهشًا أن يختار الله للزعيمين يومًا واحدًا للرحيل هو 23 أغطسطس ، وكم كان مدهشًا أن نكتشف أن عدد السنوات التى قضاها الزعيمان مجتمعين في الحكم هى ربع عدد سنوات حكم الرئيس مبارك منفردا!!
زعيم ثالث هو آخر زعماء الحركة الليبرالية المصرية الراحلين .. هو الراحل فؤاد سراج الدين الذى أراد له الله أن يرحل عن عالمنا فى ذات الشهر الذى رحل فيه سعد زغلول ومصطفى النحاس !! وعلى قدر أسفي أني لم أعاصر زمن مصطفي النحاس تحديدًا بقدر شرفى وسعادتى أنى عاصرت وعايشت آخر رموز الزمن الجميل فؤاد سراج الدين ، ذلك الرجل الذى ظل كبيرًا فى كل الأوقات واللحظات والأزمات والعصور التى تقلبت عليه وهو ثابت على مبدئه محبًا, كان الرجل كبيرًا وهو في الحكم وكان أكبر وأعظم وهو في السجن كان محبًا لوطنه عاشقًا للحرية ، كان عظيمًا وهو رجل دولة ، وكان أعظم وهو فى المعارضة لم يضف له أو يخصم منه المكان الذي يقف فيه بل كان هو الذى يضيف إلى موقعه مهابةً واحترامًا وحبًا للناس ، دخل سراج الدين سجون عبدالناصر والسادات ومبارك ، عندما أعاد سراج الدين حزبه للحياة وللوطن بعد أكثر من ثلاثة عقود من الغياب حظر عليه أن يظهر اسمه لأنه معزول سياسيًا لكن كان حضوره الطاغى هو التحدى الأكبر لهذا العزل الجائر فسقط ذلك القانون !!
عندما حاكم عبدالناصر سراج الدين وسجنه تصور عبدالناصر أن سراج الدين انتهي ودخل في ذمة التاريخ ومات عبدالناصر وبقى سراج الدين ، وعندما سجن السادات سراج الدين تصور السادات أنه يدق المسمار الأخير في نعش الرجل الأعزل من كل سلطة أو إعلام يدافع عنه ضد اللعنات التي تساقطت على رأس سراج الدين وهو مكبل الحرية ويصفه السادات بلويس التاسع عشر ، ورحل السادات وبقي سراج الدين ، وعندما أخرج مبارك سراج الدين من سجنه واستقبله في منزله تصور البعض أن سراج الدين سينضم لطابور الذين ينكسون رؤوسهم ويحنون ظهورهم لكن رهانهم مرة ثالثة سقط وظل سراج الدين وظل صوته الرخيم شامخا شموخ الرجال حتي رحل عن عالمنا عام 2001 ما زال في أذني صمت سراج الدين  لكن صمته كان أعلي من ضجيج بعض الأحياء ، سكوته الأبدى يدوى وسيظل فى جنبات التاريخ ، عرفت وتعلمت من سراج الدين معنى كلمة الإصغاء الحنون ، تعلمتُ منه أن للصمت أحيانًا بلاغة تفوق ما تردده وسائل إعلام السلطة وأذنابها ، كان سراج الدين عندما يرى شراسة السلطة يقول لى عبارات يذكرها عن سعد زغلول الذي قال 
إن الحكم بالسوط لا يحتاج إلى عبقرية فمن السهل أن تحكم العبيد ، لكن حكم الشورى يحتاج لجهد وصبر ، يحتاج لذكاء وعمل متواصل .. حكم الأحرار صعب لكن أي غبي يستطيع أن يضع الأقفال على جميع الشفاه ليتكلم وحده ويتصور أنه أفصح البلغاء لكن البلاغة الحقيقية لا تكون إلا إذا أبحت لمخالفيك أن يتكلموا كما تتكلم !! ثم تنتصر عليهم بأسانيدك وحججك !! إن الكرباج يسكت لكنه لن يقنع معارضيك بل إنه بالعكس يثبت عقيدتهم ، قد ينجح فى أن يخفض من أصواتهم لكن همساتهم ستوجع الحاكم أكثر مما  يوجعهم كرباجه !! فاشل الحاكم الذي يتصور انه أعظم الناس فى وطنه وأعلمهم بمصالحه ويتصور أن هذه هى مهمة شعبه أن يذعن لإرادته وينحني لمشيئته ، وأن تذوب كل الآراء برأيه .. كتبت هذه العبارات خلف سراج الدين لأحتفظ بدرس قاله سعد زغلول فى بداية القرن الماضى وإذا به يصلح أن يدرس اليوم .
في فبراير 1997 كنت فى زيارة لفؤاد سراج الدين بمنزله عقب عودتى من لندن لحضورى المؤتمر السنوى الذى عقده حزب العمال البريطانى فى تلك السنة في منطقة  بلاك بول وكنت معنيًا أن أناقش فؤاد باشا فى بعض الأوراق التى عرضت لملامح التطور الهائل الذى طال أفكار الحزب القديم  فى إطار أطروحات الطريق الثالث " التى كانت فى هذا الوقت كلمة السر لخروج الاشتراكيين القدامى من مأزقهم وأيضًا جسر يعبر عليه الليبراليون نحو مواجهة أزماتهم المتولدة عن تنامى الإحتكارات والحاجة للبحث عن صيغة تحقق المزاوجة المشروعة بين دور الفرد والدولة .عقب حوار استمر لساعات حول ما أسماه فؤاد باشا بثورة بلير في حزب العمال سألنى فجأة هل قرأت ما نشرته صحيفة  الإندبندنتالبريطانية مؤخرًا عن الدروس المستفادة منها ؟كانت إجابتي بالنفي فما كان منه إلا أن بدأ يعبث بأصابعه الرشيقة المثقلة بسيجاره التاريخى الغليظ على طاولة مجاورة لمقعده تتراكم فوقها أكوام من الخطابات والأوراق ، وفجأة التقط مظروفًا أصفر يحمل طابعًا عليه صورة الملكة إليزابيث وقال لى لقد أرسل لي صديق هذا المظروف عندما تفرغ مما أنت منشغل به من تطورات داخل حزب العمال اقرأه فوضعت المظروف داخل كتاب عنوانه  الطريق الثالث وتحولات فى نصف العالم الآخر!!   وظل هذا المظروف بين دفتى الكتاب منذ هذا التاريخ حتى ساعات قليلة عندما كنت أفتش فى حقيبة كتبى التى وصلتنى مؤخرًا من أسرتى لأجد الكتاب والمظروف الملغم !الموضوع الذى اشار إليه الراحل الكبير وأستاذى فؤاد سراج الدين هو ملخص لبحث نشرته  الإندبندنت " في يوم16  يناير 1997 لبحث مطول سجل فيه مجموعة من الباحثين والصحفيين الإنجليز ملاحظاتهم التى سجلوها أثناء متابعتهم للإنتفاضات الجماهيرية التى تفجرت فى عدد من دول أوروبا الشرقية ، سجلوا في هذا البحث المطول كل ما هو جديد ومبتدع وموحى فى تجارب الشعوب الغاضبة ضد حكامهم  الخالدين المستبدين وكان له أثرًا فى زلزلة عروشهم والخلاص من طغيانهم وأنظمتهم العسكرية والفاشية التى حكمت هذه الدول لسنوات طويلة بالخوف والرعب والحديد والنار بين الهزل والجد ، والطرافة والخرافة بين الصدفة والخلق والابتكار السياسى الذى تفجره قلة حيلة الشعوب أمام استبداد حكامهم خرجت مجموعة من النصائح قالت  الاندبندنت أنها روشته جديدة . كان المظروف المؤجل عشر سنوات لعلاج الشعوب المقهورة فى مقاومة المستبدين في الأرض !! هو هدية سراج الدين لى فى سجنى في ذكراه قررت أن أفتح معكم الهدية وأعرض لكم أهم نصائح ووصايا كتّابها من الباحثين البريطانيين ..
النصائح العشر للخلاص
استجمع البحث ما جرى من برلين غربًا إلى بلجراد شرقًا واستوقفتهم حالة الرئيس الصربي الذى رحل فى سجنه  ميلوسيفتش وسط غموض حول انتحاره بأحد عقارات القلب أو اختيار غيره من أن يريحه من سماع الحكم ضده فيما ارتكبه من جرائم ..

النصيحة الأولى الديموقراطية ليست أولاً
يقول البحث أن ما حدث فى أوروبا الشرقية أن الجماهير والناس لم تكن مستعدة فى أى وقت للإشتباك مع الشرطة والسلطة أو التضحية بحياتها من اجل الديموقراطية رغم ضجرها وضيقها من  حكامها وأنظمتها ..
ومن هنا ينصح الباحث الساعين للتغيير والقيادات الساعية إلى الحرية ألا تخدع نفسها بتصور أن الديموقراطية وحدها يمكن أن تدفع الجماهير إلى الشوارع وتحدي صور القمع المختلفة التى كثيرًا ما عانت منها هذه الشعوب وتعرف طعم الألم منها الذى لم يفارق أفواهها بعد أن تجرعته لسنوات طويلة ، ويشير المقال هنا أن الديموقراطية فى مجتمعات محدودة التجربة لها متاثرةً بالدعاية الإستبدادية ضدها ستبقي مفهومًا مجردًا أبعد من أن يستوعب معناه العامة حتى لو كان له بريق بين الخاصة والمثقفين ، ويقول البحث أن القيادات التى تريد أن تنجح في استقطاب الشارع للحظة الخلاص لابد وأن تلامس مواطن السخط والغضب الواقعية ويكون لديها تقييم واضح ودقيق وصادق للأوضاع ومدى تدهورها ، وكذلك أن يكون أيضًا لديها برامج محددة قدر المستطاع وأمثلة واقعية لحلول حتى ولو لم تكن تفصيلية لهذه المشاكل الإقتصادية والإجتماعية .

النصيحة الثانية : مواجهة جنون
ينبه البحث أن الحكام المستبدين هم دائمًا يقدمون وعودًا كاذبة الكذب بجنون الصدق , ومعتمدون دائما علي ضعف ذاكرة الشعوب وقدرتها الأرشيفية على رصد كذبهم ومقارنته عبر سنوات طويلة بما حدث فى الواقع ، ويضيف أن كذب الحكام لامع وبراق ومجنون لأنه لا يعرف حدودًا كما أنه يعرف جيدًا ما يثير لعاب المحكومين وما يحرك رغباتهم في مسامحته والقبول بصفقات جديدة يشترى بها أوقاتًا جديدة .. وهنا يضرب البحث مثالاً بالشعار الذي رفعه " بيتر فيتش " الزعيم الصربي المعارض والذى كان يقول فيه لم أعد قادرًا على تحمل المزيد من هذا الهراء ، ويقول الباحثون أن هذا الشعار كان وعودًا جادة لإغلاق باب الوعود الكاذبة ، وقد استجاب الشعب لهذا الشعار عندما ترجمه بطريقة مبتكرة وهى أنهم كانوا يحملون الأوانى الفارغة وعندما تبدأ نشرة الأخبار تبث أخبار وصور الرئيس كانوا يواصلون الدق على الأواني بصوت مرتفع حتى لا يستمعوا لا هم ولا من حولهم لهذه الأكاذيب عبر هذه الآلة البسيطة والخطيرة التى كانت تستخدم في المقاهى والتجمعات وأيضًا البيوت ولو كان الشخص يجلس بمفرده !! وهذا ما أسموه مواجهة جنون الكذب بجنون الصدق !!

النصيحة الثالثة لا تلتفت لاتهامات المستبد
يتعرض البحث لعدم التوقف طويلاً أمام ما يسوقه الحاكم المستبد من اتهامات أخلاقية أو مالية أو اتهامات بالعمالة لأحد معارضيه ، ويقول البحث أن المستبد يستخدم هذا السلاح الرادع للتفرقة بين الحركات المعارضة وكي تتورط كل منها في ترديد ما يشيعه الحاكم ضد الآخر وهو الرابح في هذه الحالات وإن كان لا يعني محاولة حرمانه من أن يجد دليلاً حقيقيًا على ما يروج له ، ويشير البحث هنا لخطأ وقعت فيه السيدة  دانا زوجة قائد المعارضة الصربية فى بداية الحركة عندما خرجت تتحدث عن محاولات الرئيس اختراق الأمة الصربية فى تحقيق النصر عليه من خلال الشائعات ، وراحت ترددها مما أحدث قدرًا من الإرتباك بين الجماهير التي انشغلت بالشائعات عن الحركة وعن كل الخطوات التى يجب أن يتخذوها ..

النصيحة الرابعة : لا تواجهوا العنف بالعنف
يقول البحث أن أنظمة الإستبداد لا تُبارى فى العنف ولا يجوز أخلاقيًا القبول بالعنف المضاد لأنه يحمل الساعين للإصلاح والتغيير عبء فقدان تعاطف الجماهير ، وعلى النقيض يشير البحث لسلامة موقف قادة المتظاهرين فى  دولة  مثل " أوكرانيا عندما طالبوا في صيف عام1985  من أنصارهم عدم الخوض بأقدامهم فى أحواض الزهور أثناء التظاهر حفاظًا على صورة الحركة ، وكذلك منعهم للسكارى من المشاركة فى التظاهرات ..
وأشار البحث أن نفس المسلك حدث عام1980  فى "جانسيك ببولندا لمنع وقوع أحداث غير عاقلة تنسب للحركة ويستخدمها أعلام السلطة للطعن فيها ، ويضيف البحث أن العنف عندما يقع من الدولة يحدث رد فعل إيجابيًا مشيرًا إلى عبارة قالها لهم أحد المواطنين التشيك أنه لم يشعر بالحرية فى حياته إلا فى تلك اللحظة التى دفعه فيها الشرطي فسقط على الأرض !!

النصيحة الخامسة : سلاح المفاتيح والشعارات المبهرة
ويتناول البحث أهمية ابتكار آليات جديدة ومبهرة للمقاومة على غرار الطرْق على الأواني أثناء نشرات الأخبار وخطابات الرئيس ، فيقول أن رومانيا شهدت ظاهرة الدق بسلاسل المفاتيح أثناء التظاهرات حتى بدت هذه الإشارة وهذا الصوت هو صوت الغضب الذي لا يحتاج سوى أن يضع كل مواطن ــ إذا أراد ــ يده في جيبه ليسحب سلسلة مفاتيحه أو يطرق على الطبق أو الإناء الذي أمامه في المطعم أو المكان الذي تتواجد فيه أية أدوات بسيطة وغير مكلفة لكنها تدعو للإبتسام والمرح الممزوج بالسخرية ، وتفجر الشعور بجماعية المشاعر وأن كل شخص ليس هو الغاضب الوحيد ، ويقول البحث ناصحًا حركات التغيير أن يكون لديها عشرات الشعارات البسيطة والمبهرة والمفرحة أحيانا وأن تهتم الحركات بأن يبدأ الرموز والنجوم المحبوبين بارتداء هذه الشعارات فى الإجتماعات والتجمعات لتشجيع العامة وكسر شعور الخجل !! 

النصيحة السادسة : اهتم بالصلاة وعدم الإجهاد
ينقل البحث مقولة لـ" جيوليواندريوتي " الإيطالى يقول فيها أن السلطة ترهق فقط من لا يملكها ، ويضيف البحث استنتاجًا هامًا ..
 إن حركة التغيير لابد وأن تدرك أنها ستجهد قبل أن تصاب السلطة بالإجهاد لذا عليها أن تقسم وتوزع قواها علي أوقات مختلفة حتى لا تجهد أولاً ..  كما تشير لحصافة الطلاب الصرب الذين كانوا يقسمون أنفسهم على مجموعات مختلفة حتى لا تحصل دائمًا مجموعة على قسط من الراحة يسمح لها بمواصلة الجهد في وقت تالى .. كما ينصح البحث أيضًا بالإحتذاء بما كان يحدث فى مدينة ليبزج بألمانيا الشرقية حيث كان تركيز المظاهرات في يوم الأحد عقب نهاية الصلاة لإتاحة الفرصة لأعداد كبيرة في التظاهرات بدلاً من أن تذهب للنوادي لممارسة رياضة المشي كل أحد !!

النصيحة السابعة  :إفتح الأبواب أمام رجالهم
يقول البحث أن نتاج خدمة أوروبا الشرقية تقول أن الشرطة وغيرها من الأجهزة العسكرية ليس بضرورة أن تتخذها حركات التغيير الديموقراطى خصمًا من البداية وحتى النهاية ، فلابد أن تكون هناك لحظة تشجع أجزاء من مؤسسة القمع أن ترحل من سيارة المستبد أو تقفز منها ، ويضيف البحث أن حركات التغيير الشابة فى أوروبا الشرقية لم تدرك خطورة إبداء إشمئزازها من انضمام جنرال عجوز سابق ، وتعاملت احيانا كأنها في انتخابات ديموقراطية تريد أن تحافظ فيها على صورة مرشيحها ، فهذا السلوك يضيف إلى رصيد الحاكم المستبد ويخصم من فرص إضعافه مع ضرورة الحذر أن تكون هذه العناصر محدودة الدور كي لا تفرض نفسها على الأحداث لاحقًا .

النصيحة الثامنة  :أهمية التدرج في الرفض
يقول البحث أن صدمة الجماهير قد تدعوهم لعدم التصديق من جدوى الحركة إذا رفعت مطالب ضخمة يشعر المواطن أنها قابلة للتحقيق أو مستحيلة وهنا يضرب البحث أمثلة واضحة ، مثلاً فى صربيا لم تبدأ حركة التغيير بالمطالبة بإقالة ميلوسوفيتش نفسه رغم أنها كانت تريد هذا بوضوح ، لكنها بدأت بالمطالبة بإلغاء الإنتخابات التى أمر بها نفسه كخطوة أولى ، ونفس الشيء يذكُر البحث حدث فى الإتحاد السوفيتي السابق حيث أعلن المتظاهرون أنهم ليسوا ضد اتفاقية هيلسنكي بالكامل رغم أنهم كانوا ضدها واكتفوا بالسخرية من بعض بنودها الصارخة ، وكذلك من بعض نصوص الدستور السوفيتي رغم أنهم كانوا دائمًا ضد سلطة الإتحاد السوفيتي لكن لم يكن الناس فى هذه اللحظة يمكن أن يقبلوا بطرح هذا التحول من اللحظة الأولى ..

النصيحة التاسعة  :الإستعداد للمستقبل
ويقول البحث أن من المهم أن يشعر الناس بطعم تحقيق انتصار على سلطة الإستبداد حتى لو كان انتصارًا صغيرًا ، فهذه الإنتصارات الصغيرة هى مقدمة وسبيل لفتح شهية المجتمع وقلبه لتغيرات كبيرة وحقيقية ، ويضيف أنه من الهامّ لحركات التغيير أن تجهز الأرض أيضا لما بعد الإنتصار الأول وكذلك الأخير، ويضرب البحث المثال هنا بما حدث من مفاجأة بالنسبة لـ" الفا سيلاف هافل " وليس فالسيا وغيرهما كثيرًا فى التسعينات ، وهنا يقول البحث أن قيادة التظاهرات قد تصل فجأة لقيادة الحكومات الديموقراطية وإن لم يكن هناك حد أدنى من الإستعداد فقد تفقد هذه الحكومات الجديدة شعبيتها بسرعة ، مما يسمح مرة أخري بصعود اأسهم المستبدين أو عودتهم إلى سدة الحكم أو أنجالهم أو رجالهم المقربين!! 

النصيحة العاشرة  :إختراق إعلام الدولة والإعلام الأجنبى
يقول البحث أن قوى التغيير الديموقراطي لابد أن تكون دائمًا منتبهة لأهمية الإعلام المرئى تحديدًا محليًا وتقول هنا إن حوارًا مع مذيع ومخرج متعاطف في قناة حكومية أهم من مظاهرة يشترك فيها بضعة آلاف ، ويضيف البحث كمثال تيمور الشرقية .. كانت حركات التغيير فيها ذكية جدًا لأنها كانت تقدم قصص حقيقية شيقة للإعلام الأجنبي تجعله دائمًا مهتما بهم وبإبراز أنشطتهم لأنه بالطبع يكره التقارير المملة ، ويضيف البحث أن إختراق أجهزة الإعلام الرسمي ليس فقط حكرًا على الحوارات التى تجرى مع قادة المعارضة ، فربما يكون هذا مستحيلا في بعض الأوقات لكن يمكن الإستفادة حتى من حوارات رجال السلطة بعمل مداخلات مباشرة على الهواء وإحداث صدمات شجاعة لهم تدفعهم للإعتراف بالحقائق والتوقف عن الأكاذيب التي للأسف ما تجد من يصدقها من البسطاء وغير المتعلمين .. 
ومن هنا يختم البحث النصيحة الأخيرة والخاصة بإعلام الدولة بأنه يمكن أن يتحول الإعلام ضد الدولة والحاكم المستبد بجمع الأرقام والإحصائيات المتعارضة ، والتصاريح والوعود السابقة والكاذبة ، وتخصيص مجموعات مختلفة متفرغة لهذا ، وأخيرًا لقد عرضنا النقاط المهمة التى تجيد توظيف أسلحة المستبدين إلى أسلحة مضادة للإستبداد ..
كانت هذه السطور عرضًا لتجارب شعوب جمعتها الصحيفة منذ عشر سنوات فى دراسة بحثية تجمع بين التعريض ، والتحريض لشعوب أخرى تبحث عن سبيل للخلاص , سبيل للحرية ..
هل من حسن حظى أم من سوء الحظ أنني لم أفتح هذا المظروف المغلق الذى سلمني إياه فؤاد باشا سراج الدين إلا في هذا التوقيت وهذا المكان ؟؟!!

مجتمع مصر

اقتن نسختك الآن

اقتن نسختك الآن

التبادل الاعلانى

Discussion

جميع الحقوق محفوظه © دار إنسان للنشر

تصميم الورشه