إنسان على فيسبوك

الجزيرة المجهولة 1 - التطبيق الثاني من ورشة 120 يوم

0

يبدأها : طارق عميرة 
إزدادت قوّة العاصفة فهاج البحرُ أكثر , كان صوت الرعد والهواء هادرًا يضرب الأمواج المتلاطمة الثائرة حتى أن صرخات البحّارة اختفت داخله , متشبثًا بحاجز السفينة بكل قوتي نظرتُ نحو الأفق لربما ألمح أي شيء يبدو كبادرةٍ للنجَاة من الضياع والتيه والغرق فلم أرَ إلا الظلام , يضرب البرق من بين الغيوم فأعرف أن الظلام أقل رعبًا من مشهد البحر المتلاطِم الذي يقول لنا بوضوح شديد , أنتم الليلة لي !

موجة عنيفة اخرى تضرب حاجز السفينة فأتخلى مرغمًا وأسقط داخلها ويرتطم رأسي بقوة تجعل وعيي يغوص تدريجيًا نحو العدم وآخر ما يفكر فيه , كيف تسن أسماك القرش أسنانها مبتسمةً في جذل وكيف تنظر إلي السفينة حوريات البحر بين اللامبالاة والشفقة وتضحكن لبعضهن منتظرات غنائمهن ..
في النهاية شعرت بخشب السفينة الغارق من مياه الأمطار يتمزق أسفل ظهري ثم لم أعد أشعر بأي شيء ..
***
حين أفقت كانت أشعة الشمس الصافية تغمر وجهي , حولت وجهي في سرعة حتى أستطيع أن أفتح عيني لأكتشف أن كل عظمة في جسدي قد وهنت رغم الرمال الباردة التي وجدتها فراشي , نهضت كعجوز كسيح لأجدني أنظر للبحر مرةً أخرى , تلفتت حولي لألمح على مسافات بعض الأخشاب الممزقة والأمتعة ولكن لم أرى سواي من الطاقم , أدرت ظهري للبحر وعقلي مضطرب , لأنظر إلى عالمي الجديد , جزيرة أم يابسة , لا أعلم ..
لكن ما أعلمه أنني طفت كل بلدان الأرض ولم أر أبدًا مثل ما أراه الآن ..

***

القصة 1 - انتصار محمد - مصر 

ما هذه الروعة لم أرىَ مثلها أشجار فى غاية الجمال مناظر خلابة ازهار تملأ المكان اذا بي بممللكة عطور فواحة،،
نسيت ما بى و مشيت منجذبآ لما حولي من جمال الطبيعة 

الارض باكملها مغطاه باللون الاخضر سارت اقدامى بدون أذن مني و كانها تقول لي اتركني اسير لأرى ما حولي من جمال طبيعى و الوان جذابة.. خيالآ ما أرى أم حقيقة!!
الأمواج تعلو أمامي و الأشجار من حولي بكل مكان،،
انجذبت لهذا الجمال و كأني مسحور بما حولي و بما أنا به
اشتد الموج و اذ به يحادثني لأفق مما انا به. 
لست أدرى ماذا أفعل و أنا بهذا المكان وحيدآ؟؟
سرت لأري ماذا أفعل و أذا ببيت صغير مغطى بلأشجار والورود سررت لما رأيت سأجد من يخرني من ما أنا به سأجد المساعدة اسرعت لأرى من بهذا المنزل الخلاب اقتربت من الباب لاطرقه و لكنه ليس مغلق ففتحت الباب و صرت أنادي من هنا؟ فخرجت فتاة تشبه الحور قالت: من أنت؟
رويت لها قصتي فقالت مبتسمة أذن أنت منهم..
فقولت متعجبآ منهم من؟! فقالت من بعثهم البحر لي و لجزيرتي،، ثم أكملت مبتسمة أرنى كفك فمددت لها يدى 
دون أي تردد نظرت له ثم لي و قالت تعالي معي سأريك جزيرتي علي حقيقتها فقولت متعجبآ كيف علي حقيقتها؟! ردت سأريك ما لم تراه من قبل فكل ما رأيت من خيالك لم تراى الحقيقة بعد. أصتحبتني إلي أحدى أبوابها.
فدخلت وسرت أمشي و أمشي و لا أجد نهاية لهذا المكان أنتابني الخوف.. ما هذا ؟ وإذا بها أمامي تقول: لا تخف أنه طريقك. 
كان نورآ وهاج يكاد يعمي بصرى وفجأة أنطفأ ورأيت بابآ أخر فدخلت له و وقعت في بئر عميق مظلم أرتابني الخوف فصرخت بها.. ما هذا لماذا أوقعتيني بهذا البئر ماذا فعلت؟! قالت لي: أنت من فعلت أنظر ليدك لتراي ما فعلت.
نظرت إلي يدي فرأيت مشهد منذ زمن بعيد مشهد لزميل لي بالعمل و أنا من تسببت في طردهه من العمل أرتجفت لما رأيت لأني من تسببت فى طرده من عمله و هو كان لا يستحق هذا فقلت خاءفآ.. نعم أنا أخطأت و ظلمت و أستحق ما انا به.. و قبل أن أكمل الجملة وجدت نورآ شديد و أنا قد خرجت من ذلك البئر أين الحورية لا أراها،،
ما هذا باب آخر!! دخلت عسي أن أجد مخرجآ فوجدت غرفة بها ثعابين جريت نحو الباب لأخرج و لكنه أختفي.. ألتفت الثعابين حولي كنت خائفآ و كان الفزع يلتهم قلبي صخرت بأعلي صوتآ لدي.. لا لا تفعلي بي هذا أرجوكي أخرجيني من هذا. 
مر أمامي شريط حياتي تذكرت كل شيء في هذه اللحظة كم كنت في كثير من الأوقات مثل هذه الثعابين ألتفت حول أعنق من يعلوني لأخنقه و لكن لا أريد الخروج حقآ أنا نادم هدء صوتي و كأنه أستسلم لهذا الوضع و لكن فجأة أختفت الثعابين و أنبعث الضوء من جديد وجدت غرفة بها سرير نمت من خوفي دون أي تفكير و بعد ما غفوت أستيقظت وجدت نفسي علي سرير في هذه السفينة سفينتي أكان هذا حلم!!

***
القصة 2 - هديل كمبال - الكويت 
كان لا يزال المشهد مشوشا وكل ما أستطيع تمييزه مجرد أشكال ونقاط سوداء ولكن .. لا توجد ألوان !!
انتفضت جالسا بهلع نفضة شعرت فيها بكل عضلة في جسدي تتحرك وكأني كنت مثبتا في الأرض بمغناطيس من نوع ما،
فركت محجري عيني بقوة توقظني إن كنت نائما، ولكن يبدو أنني لست كذلك، إحساسي بكل شيء حولي يؤكد هذا، ولكنه إحساس غريب لم أعهده من قبل، أنا أتنفس .. ألهث ولكن ما يدخل في رئتاي ليس الهواء كما أذكره، إنه رذاذ ناعم جدا أشعر بدخوله وخروجه منسحبا برقة من جوفي، أشعر بالهواء البارد يلامس جسدي حرفيا، كأنه غلاف ناعم خفي يلتصق بي.
لا أعرف إن كان المنظر حولي مرعبا أم مضحكا، ولكن كل شيء يحيط بي الآن لونه أبيض وأسود، الأمر أشبه برسم في مجلة قصص مصورة غير ملونة ولكنها ليست رسومات إنها أشياء حقيقية !!
الشاطىء رماله بيضاء كالملح، الأشجار والنباتات لها جذوع سوداء تماما وأوراق بيضاء وبعضها فيه العكس، حتى زرقة السماء والبحر- أو المحيط لا أعلم كنه هذا المسطح المائي الغريب – لم أعد أرها فالسماء سوداء ولكنها مضيئة بشكل ما عكَس على سطح الماء لون فضي داكن، وعلى امتداد بصري في اتجاه اليابسة هناك جبال شاهقة، إنه منظر مألوف أن ترى الجبال داكنة وأعلاها قمة بيضاء محاطة بسُحُب بخارية تعبر عن برودة الطقس هناك، وما هو موجود أمامي الآن هو نفس المنظر ولكنه معكوس!
الجبال بيضاء، أو أنها تتحول لأن تكون بيضاء، فبعضها أبيض تماما والبعض الآخر قممه سوداء، ولا أعرف إن كان ما أراه حقيقيا أم هذيان، ولكن القمم السوداء تذوب فوق المساحات البيضاء ببطء!
قلبي يرتجف وغصّة الرعب تتقلب في بطني، لا أحب هذا النوع من الوحدة ..
حسناً، بالتأكيد هناك تفسير منطقي لما أراه، ليس هناك شيء خارق للطبيعة ولكن هناك فقط أشياء لم نرها من قبل، قد يكون هذا المكان تكوين ناتج عن إحدى الظواهر الطبيعية ، بركان، إعصار أو حتى ضربة نيزك، والسماء قد تتقلب في ألوانها بفعل الغازات والأشعة والتفاعلات في الغلاف الجوي وبالتالي يتأثر انعكاسها فوق الماء .. الماء .. مهلا هل هذه أسماك؟!
ركضت بسرعة إلى حافة الشاطئ، الأسماك بيضاء! قد يكون هذا منطقيا أيضا وهو شيء يبعث نوعا من الراحة أن هناك حياة في هذا المكان، ولكن شكل الشاطيء لا يوحي بأي نوع من الأمان، فعندما تراجعت الأمواج تبين أن الرمال التي أقف عليها ما هي إلا جزء بسيط يليه جرف صخري لا نهاية لعمقه، وهذا يعني أنه لا خيار أمامي سوى الاتجاه إلى اليابسة التي لا يوجد عليها أي شيء مألوف وملوّن سوى ما رمته الأمواج من حطام السفينة.
كم الساعة الآن؟ كم لبثت هنا؟ وهل هناك ليل سيأتي أم أنني في أحد اطراف الكرة الأرضية التي يكون فيها الفارق بين النهار والليل ستة أشهر؟ رغم أنني لم أستطع أن أميز إن كان الوقت الاآن هو نهار أم ليل.
كل ما علي فعله الآن هو البحث عن مأوى، وقد يساعد وجود هذه الأسماك في إبقائي على قيد الحياة إلى أن أكتشف سر هذا المكان وربما أنجو.
مشيت باتجاه حطام السفينه لعلّي أجد شيئا نافعا، لقد رمتني الأمواج بعيدا جدا، وأنا فقدت الأحساس بالزمان والمكان في كل الأحوال، ولكن فكرة أن لا أكون أنا الناجي الوحيد في هذا المكان زادت من سرعتي الواهنة .. ناديت .. هل من أحد هنااااك .. أنا هنااااا ..
اقتربت وعلى المدى البعيد رأيت أحدهم ملقى على الشاطى .. تمااااسك .. وهمست لنفسي: أرجوك كن على قيد الحياة.
يا إلهي انه "رمزي"، ارتميت جالسا بجانبه وحاولت إيقاظه: "رمزي" هل أنت بخير؟؟ "رمزي" استيقظ أنا "آدم".
كان جسده هامداً تماما ولكنه كان يتنفس بصعوبة، وضعت ذراعي تحت رقبته في محاولة لإيقاظه: "رمزي" أرجوك استيقظ.

بدأ "رمزي" يفتح عينيه ويصدر صوت أنين منخفض مرهق، ثم بدأ يتمتم بكلمات غير واضحة

- ماذا هناك ؟ ماذا تقول؟
- اتر.. اتركني .. اهرب .. اهرب من هنا
شعرت بسائل دافئ يتدفق تحت رقبته على يدي: ما هذا يا إلهي انت تنزف!

نظرت في مكان النزيف ولكن ما هذا! لم يكن نزيفا عاديا، دم "رمزي" أبيض؟!
وفجأة انتفض رمزي وشهق شهيقا قويا اندفعت على إثره إلى الخلف، وفتح عينيه كاشفا عن لون دمه الحقيقي ولكنه اختفى بسرعة وكأن شيئا تشربه للداخل ثم أصبح لون عينيه أبيض تماما.

- "رمزي" ماذا يحدث لك ؟! أجبني أرجوك
ارتطم جسد "رمزي" في مكانه مرة أخرى وقد بدأ حتى لون جسده يتحول إلى الأبيض وقبل أن أقترب منه لمحت أشياء غريبة تخرج من تحته مسرعة، مجموعات من أشياء صغيرة تشبه الحشرات ولكنها ليست حشرات، اقتربت منها بحذر، إنها كرات معدنية متناهية في الصغر تمشي باتجاه معين كأنها مبرمجة على مهمة معينة وقد أنهتها.
علي أن ألحق بها، يجب أن أعرف ما الذي يحدث في هذا المكان.
ليس لدي ما يكفي من الوقت لأحزن على "رمزي" علي أن أتحرك، جررت جسد الرمزي الذي أصبح ملمسه كالمطاط التالف إلى مكان بين النباتات السوداء الغريبة، وأسرعت أتتبع أثر الكائنات الغريبة الصغيرة لتقودني إلى سر هذا المكان ...
يتبع
***
القصة 3 - سناء مصطفى - مصر
ما أراه الأن جزيرة أو ليست جزيرة شكلها غريب لم أري مثلها في يوم أو مثلهما ! كانت أرض كبيرة نصفها جزيرة و النصف الأخر صحراء و لكن لم يلفت أنتباهي ذلك و لكن لفت أنتباهي اللافتة التي توجد علي الخط الفاصل ببن الجزيرة و الصحراء التي كان مدون عليها ( أرض النفاق ) توجهت قدمي إلي الجزيرة الخضراء دون أذني و لكنني عجزت عن دخولها حاولت كثيرآ أن أدخل قدمي تلك الجزيرة و لكن لم أستطع ، في النهاية توجهت إلي الصحراء هذا هو الحل المتواجد أمامي، من الغريب أن قدمي أخترقت الحاجز بسهولة فتعجبت مما حدث، وجهت نظري إلي كل شيء بتلك الصحراء فوجدت شخص علي بعد 100 متر ذهبت مسرعآ نحوه و قلت له: مرحبآ 
فنظر لي مبتسمآ و قال: مرحبآ

قلت له مسرعآ: أرجوك بأي بلد نحن؟ 
رد الرجل متعجبآ: بلد؟! ماذا تعني ببلد؟
قلت له : بلد! مصر بلد لبنان بلد! في أي بلد نحن؟ 
ضحك قائلآ: لا أعلم ماذا تقول. 
قلت له: إذآ ماذا تأكلون في تلك الصحراء!
رد الشخص قائلآ : يوجد ماء ويوجد زرع و لكنه بعيد و لا أحد يعيش حوله خوفآ من أنقراضه! 
تجهلت سؤالي فهذا من المأكد مجنون و قلت له: لماذا لم أقدر علي دخول هذه الجزيرة؟
تجاهل الرجل سؤال و قال: يا رجل أنت منافق لماذا تنكر حقيقتك!؟ 
و ذهب الرجل و تركني دون فهمي لأي شيء لماذا يقول عني منافق أنا لست هكذا! 
ظللت أمشي و كلما قبلت أحدآ أسأله عن كل ما يدور برأسي فيرد نفس الرد أنت منافق حتي أنتابني الغضب و أوقفت أحدهم و قلت له: لماذا أنا منافق أنا لست هكذا؟ 
فقال لي: إذآ أذهب إلي حكيم مملكتنا و قول له أنك لست منافق!
فقلت له متعجبآ: أي مملكة!؟
رد: مملكتنا أرض النفاق !
فقلت بتلقائية: لماذا تطلقون علي هذه الأرض أرض النفاق!
رد الشخص: قلت لك أذهب إلي حكيم مملكتنا!
قال لي إين يوجد الحكيم فذهبت إليه و وجدته ليس كباقي الناس أنه شخص يبدو عليه التواضع و حين طرحت عليه أسألتي قال: إذآ أنت غريب.
قلت له: نعم.
فرد مجاوبآ علي سؤالي الأخير: سأخبرك .. من قديم الأذل عانى أحد حكماء المملكة من كثرة النفاق الذي يوجد في كل البشر فجائه أحد السحرة و قال : سأكشف لك من المنافق ؟ ..
قلت له : أكمل أيها الحكيم!
فأكمل: وضع لعنة علي هذه الأرض و أقسمها إلي جزيرة و صحراء و من يومها و كل البشر في تلك الصحراء و الجزيرة فارغة و حين يولد كل مولود ينشأ في تلك الجزيرة و يخرج منها بعد العاشرة من عمره و لا نعلم كيف كبر دون مراعاة أمه!
تعجبت مما سمعت و قلت له: إذآ و كيف عاش ذلك الحكيم!
ضحك الحكيم قائلآ: عاش حكيم المنافقين.
قلت بتعجب: عاش في تلك الصحراء!!
رد الحكيم: يا عزيزي كلنا منافقين!
خرجت من هذا المكان أعدو في هول و أقول بصوتآ عالي: أريد أن أخرج من تلك الأرض، 
توجهت إلي البحر ولكنني لم أقدر علي الخروج من تلك الصحراء فسألت أحدهم: كيف؟
فقال لي: لهذا أصبحت تلك الأرض لعنة لا أحد منافق يخرج منها!
قلت في تعجب: و كيف أخرج؟
ضحك الرجل و قال: كن صادق ! لو تقدر.

***
القصة 4 شيماء البدوي - مصر 


شئ فاق خيالي ، السماء ساطعة البياض مرصعة بالنجوم تتلألأ بها رغم شدة بياضها وتُزينها كثوب عروس مرصع بالألماس ، تكاد تتحير ولا تعرف هل أنت بالنهار أم بالليل ؟ من شدة بريقها ، تلفتت وأغمضت عيني قليلاً لتهدأ من شدة البريق ، وإذا بي أفتحها لأجد حولي كل الألوان التي أعرفها ولم أعرفها ولم ترها عيناي من قبل ، إنها مزيج من الورود والزهور تتراقص وتتمايل في كل مكان كراقصة باليه هادئة ورقيقة ، تداعبني تلك الأرجوانية والمزيلة باللون الأحمر فتربت على وجهي بلطف تارة ، وتحيطني الأخرى وتلتف حولي تلك البرتقالية اللون وكأنها ترعاني وتحميني وتحتويني ، وإذا بأخرى تناغشني وتجري خلفي بنظرة شقية مداعبة ، هممت لأجري وامسك بهم ، فإذا بقدماي لا تستطيعا أن تتحركا ، نظرت أسفل مني فوجدتني لا أقف على أرض صلبة إنه شئ غير ملموس بالمرة ! ، هل أنا فوق السحاب إنه شيئ لين بيضاء هش ليس له حدود ولا ملمس ، وتسائلت هل أنا في الجنة ؟ ، إذاً لقد مِتُّ هل تخطيت كل تلك المراحل ووصلت إلى الجنة هل فاتني الحساب ولم أشعر به ؟! ، عضضت على يدي فوجدتني اشعر بالألم وتلمست اجزاء جسدي فإذا برجفة تثير كل جسدي ، إذاً مازلت حية ، هل أنا في كوكب آخر ! ، هل انا بالمريخ مثلاً لقد قرأت كثيراً عن عالم الكواكب الأخرى ، حاولت أن أحبو على قدميّ لأرى وأكمل التأمل في أمر تلك الجنة الخادعة التي أنا فيها أم أنها حقيقة ولكن شيئاً ما صدمني ، شيئاً ليس له أي معنى ولكن لونه يخيم عليه السواد ، لا ليس سواد فحسب ، إنه ملئ بدرجات عدة انه تدرج لوني من الرمادي حتى السواد ، ظللت أحدق بنظري جيداً فإذا بعيني تبصر مابين ثلاثين لون وتدرج لم أره من قبل ، ما بين السواد والرمادي بل يبدو أنه يبدأ من اللون الأبيض حتى صار كذلك ، حاولت أن أجد تفسيراً لكل تلك التدرجات اللونية التي أراها هل أنا في جزيرة الجرافيك مثلاً ، ولكنها شيئا فاق عالم الجرافيك ومبدعيه ، حاولت أن ألمس ذلك الشئ الأسود ولكني لم أشعر إلا بي أصرخ من الألم ، وكأن ماس كهربائي قد أصابني ارتعدت وظللت متصلباً بمكاني دب الخوف بقلبي بعد أن كان مطمئناً ، وصرخت بأعلى صوتي أين أنا ، هل من أحد هنا ؟ ، أريد أن أخرج من هذا السواد ، وظللت أحادث نفسي فلا أحد يجيب ولا يظهر لي ، ما هذه القتامة اللي انا فيها أين الجنة التي كنت فيها سابقاً ، هل أنا في كابوس ، يااالله ، ياااالله ، الحمد لله إذا فقدت كل ذاكرتي ولكنني لم أنسَ الله ، وبمجرد ترديدي لبعض الأذكار التي لا ينساها قلبي ظللت أردد " لا إله ألا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " ، ووجدت ذلك الحاجز الداكن القاتم يتأرجح ويخف لونه قليلاً ويتأرجح مابين السواد والبياض ، وإذا بصوت خافت يناجيني عن يميني ، يهمس لي " استغفر الله " بصيغة الأمر ، قفزت من مكاني وتلفتت هل أنا اسمع صوت فعلاً أم انه عقلي الباطن ؟ ، ولكن الصوت ظل يتكرر ، وبلطف خفيف مريح هادئ ينشرح له الصدر ، نظرت تجاه الصوت عن يميني فإذا بي أجد هالة بيضاء ناصعة البياض تتهاوى أمامي لا هي واقفة ثابتة ولا أجد لها وصفاً ، هل أنت ملاك ؟ سألته ، سألت هذا الشئ فربما أجابني كما أسمعني ماقال ، لم يرد ، ولكن ظل يكرر بصيغة آمرة "استغفر الله" ، ووجدت نفسي انصاع له دون تردد ، فإذا بي كلما استغفرت يهدأ قلبي ، وبدأ الظلام الذي كان يواجهني يتبدد شيئاً فشيئاً ، حتى صار كلوح رقيق شفاف ملقى على الأرض ، وإذا بنور الكون وجماله يظهر لي مرة أخرى ، وإذا بأجمل فراشات الكون وأجمل الزهرات الرقيقات حاملات السعادة بنسيمهم المنعش يلتفون حولي ، وعندما هممت باللحاق بهم ومداعبتهم مرة أخرى كطفل لا هم له إلا باللعب بقلبٍ لاهٍ صافي لا يحمل لأي شئ هماً ، لكن وجدت نفس الصوت الخافت يبلغني هذه المرة " ليس الآن " وحاجز ما أوقفني حاجز لا أراه ، ولكني لا أشعر به ، وظللت أردد لم لا ؟ ، أريد أن أذهب ، وحاولت ان امسك بتلك الهالة البيضاء ، وأرجوها لتدعني أكمل ، ولكن سرعان ما بدأت في التلاشي بمجرد محاولتي للمسها ، وظلت تردد " ليس الآن " ، "راجع أعمالك حتى تذهب لما ترجوه بسلام" ، وظلت تردد تلك الجملة حتى اختفت تماماً ، وبدأ كل شئ يختفي تدريجياً ، كل الألوان تبهت ، الفراشات ماعادت تحلق ، جفت الورود او تلاشت لا أعرف ، وإذا بي أجدني أرى اللون الأبيض فقط ، لم يعد هناك ألواناً أخرى ولا عالم آخر ، ووجدت عيون تنظر إليّ بحذر إنهم يعتنون بي جيداً ، وبدأوا يتلمسون جبهتي ، "لقد افاق الحمد لله " حمدلله على السلامة يا بطل ، حاولت أن أتابع اللون الابيض وأشرد بوجهي بعيداً عنهم علّني أجد الجنة التي كنت بها أو شيئا منها لم أجد شيئاً سوى سقف الغرفة ، وعائلتي ها هم ينظرون إلي متلهفين خلف ذلك الحاجز الزجاجي ، ولكن أنا لم أعد أبالي لكل ذلك صرت أبالي لشئ واحد فقط ، أريد أن استغفر الله ، إنني أريد الجنة ، الجنة فقط ، وأغمضت عيناي ، وظللت أردد " استغفر الله " حتى ألقاه ...

***
القصة 5 - هبة هيكل - مصر
غمضت عيني و فركتهما جيدا ، تحسست جسدي لأتأكد أني حي ، لأتأكد أنه أنا .
مهلا ... تلك عظامي تؤلمني و ذلك الصداع الغبي يفسد علي تركيزي 

أعتقد لو مت لما شعرت بهذا الألم الجسدي ، ستكون هناك أشياء أعمق لا شك .
استجمعت قواي لأقف ، أشعر بدوار و لكن لابد من البحث عن باقي طاقم السفينة و استكشاف ذلك المكان الذي رماني الموج فيه .
بعد محاولات كثيرة لم أجد أيا من زملائي ... لا أحد 
و أهل الجزيرة ناديت : السلام عليكم .. يا أهل الدار .. يا أهل الجزيرة .. يا أهل الغابة أو أي ماتسمونها 
صمت ...
سرت هنا و هناك مرارا و لا أحد و لكن لم هذا الشعور أن هناك أعين ترقبني ، لم لا أشعر بأني وحيد ، لم هذا الارتياب ؟ 
.الشخص يشعر عند النظر إليه و أنا أشعر أن عيونا تخترقني .
أصدقك القول أنا لا أحب الناس جدا و دائما كنت أفضل البقاء وحدي ، يبدو أني سأظل وحيدا للأبد بلا قرار أو نية ! هل تمنيتها إلى هذا الحد ؟ فتدخلت علوم الطاقة كما يقولون و ها أنا ذا .
سخرية مرة فابتسمت تلك الابتسامة التي تعرفها جيدا في مثل هذه المواقف .
عضني الجوع .. نجا معي بعض الطعام 
حل الظلام وأنا مرتعب لا أخفيك سرا ، هل سيظهر مصاصو دماء أم مستذئبون أم أي من تلك الكائنات الخرافية و الأحداث المثيرة التي شاهدتها في أفلام هوليوود أو سيظهر الجن كما في خرافاتنا الشرقية الشعبية ! 
انتظرت لأرى قدري فما باليد حيلة . القمر مكتمل و النجوم توفر إضاءة لا بأس بها ،و في هذه اللحظة بالذات حدث شئ لا يصدق ......
بدأ كل شئ بالتحرك ، كل شئ وهذا ليس مجازا ، تخيل هول ما أرى ، لقد أغمضت عيني و فتحت فمي و أصدرت أصواتا مبهمة و أمسكت رأسي ثم صرخت ، وصرخت ماهذا الجنون ، ماهذا بحق الله !
كل ماعلى الجزيرة من أشجار و حشائش و طيور و قطرات مياه من البرك المنتشرة بالداخل تتحرك و حتى بعض مياه الشاطئ و 
بعض الرمال التي تشكل في حركتها مثل الزوبعة 
الأشجار الضخمة و الحشائش والطيور المختلفة منخرطة في حوارات عميقة و يكأنها إحدى قاعات الاجتماعات أو مهلا هل هي محكمة ؟ !
ثم ماتلك المياه التي ارتفعت ارتفاع طابق تقريبا و بدأت بالتجزأ إلى قطرات ترحل مسرعة 
هل أثرت الشمس على عقلي ، هل هي هلاوس .. ياليتها كذلك 
شعرت باقترابهم مني و ب ... مطاردتهم 
أطلقت ساقي للريح و جريت بقوتي المتبقية وبعقلي الذاهب ؛ فالخوف محرك عظيم لنا نحن البشر 
أكملت الركض و هم ورائي حتى الفجر تقريبا ثم سكن كل شئ مرة ثانية ! 
اللعنة ... ارتميت على الأرض ، بجسدي تعب هائل و غفوت . ربما كرد فعل دفاعي كي لا أجن .
استيقظت بعد كابوس أني بطل فيلم the night in the museum و لكن في جزيرة !
الشفق صنع تلك اللوحة الرائعة أمامي ، ما كل هذا الجمال ..وقفت مشدوها للطبيعة و حتى نسيت مأساتي التي ستبدأ بعد دقائق في الظلام 
كيف نمت كل هذا الوقت و لم أفكر في حل . كيف لم أحاول أن أرحل من هنا و لو حتى على لوح من الأخشاب مثلما يفعل أبطال الأفلام و لربما أكون محظوظا و حتما سأكون محظوظا و يجدني بعض البحارة الطيبون فلا اختيار آخر أمامي. .
بدأت الحفلة و بدأ الركض ثم حدث شئ قلب المعادلة رأسا على عقب و ساهم في و قوعي أسيرا 
ارتفع الماء و أحاط بي و حملني إليهم ، حاولت التملص و حاولت الهرب و لكن لم أقدر ، المياه غمرتني و التصقت جزيئاتها بي كأنها حوت يونس و هذا ذنبي و ظلمي لاشك ،
و من ثم لفظتني أمام حلقة الأشجار و الحشائش و التفت الطيور أعلى رأسي لترى تقريبا هذا الكائن العجيب الذي اقتحم عالمها المسحور هذا 
( أنا إنسان مسالم ، لا أريد إيذاء ، أنا تعيس الحظ و بائس و أرجوكم لاتقتلوني ، كلام غير مترابط من شخص على وشك فقدان عقله )
هنا نطقت شجرة كبيرة بلهجة مسرحية : اهدأ قليلا ، أنت غريب جدا ، كنا نرى مثلك من بعيد و هم راحلون في سفنهم و لكن أنت أول إنسان يهبط هنا و نحن كما ترى لانعرف شئ عما وراء المياه و لانعرف عن عالم أنت تسكنه و يسكنه من يشبهك فلتحكي لنا كل شئ عنه ! 
أحسست بالسكينة لأن الفضول الذي أراه في عيونهم كفيل أن يضمن حياتي فالحكاية هي منقذي ، سأؤدي دور شهرزاد بالضبط و لن يأتي مسرور فالحمد لله 
حكيت عن البشر و عن وطني و عن كل شئ أعرفه حتى عن الحروب و عن قلقي و عن كل شئ ، لقد عوضني هذا عن صمت النهار و الوحدة و الانقطاع عن البشر و حتى لقد أبعد ذهني عن الخوف و التفكير في مصيري ، صرت أسكن بالنهار مثلهم و أستيقظ بالليل ، كانوا كرماء يجودون ببعض ثمارهم و المياه تأتي إلي لأشرب و حاولت صيد الأسماك و ساعدتني الطيور على ذلك أيضا 
كانت فطرتهم نقية ، كأطفال تربيهم بين يديك و تفتح أعينهم على عالم أنت خبرته ، أحببت كل كائن هنا و اعتبرته صديق و عرفت أسماءهم و حكاويهم و أخذ كل واحد فيهم يأخذني برحلة إلى داخل تكوينه وكيف يقضي يومه ،
عرفت حتى قصص الحب المنتشرة بين بعضهم وكيف ينتظر كل واحد فيهم أن يصل الآخر للنضج ليكتملا معا 
أحببتهم و صرت و احدا منهم لا أدعي هذا و لم أشعر بافتقاد للبشر على الإطلاق 
عكس ذلك لقد أحببت الصدق هنا و لا بأس أن أرتمي في أحضانهم إلى الأبد .

***
القصة 6 - سجاد حسين - العراق
فما أراهُ كان صدمة لي من نوع آخر انطفأت اضواء روحي قبل انطفاء اضواء السفينة، رغم كثرة اضواء الحضارة المصطنعة من حولي لكنها لم تستطيع انارة الظلام الذي بداخلي طول هذه السنين، يبدوا أن الظلام اصدق من الضوء المزيف، نحن أتينا من الظلام ونرجع الى الظلام هذا ما كنت أتصوره.
منذُ أن رحلت فراشتي لم تبقى للحياة معنى كانت هي معنى الحياة بل هي التي تعطي للحياة حياة، بعدها اصبحتُ بلا ذائقة، شعرت أني جثة هامدة اقرا اسماء الموتى ليلاً وانتن الأشلاء نهاراً.

جاء العيد وأغلب الإنس والجان هائم بلقاء معشوقه أما انا لاحبيب أو رفيق، فقدت كل شعور قررت مغادرة العالم المرئي الى اللامرئي من اللاشعور الى الشعور، ازور ذلك العالم المجهول الذي يسكنه الاحباء كزهرة ذابلة تريد الرجوع الى البذور .
معشوقتي الحبيبة غزاها السرطان اللعين بدون ميعاد وكما تعلمون ايها العباد في بلاد الإعراب السرطان يشبه قضية فلسطين لايوجد لهُ علاج، زرت أغلب البلاد وطفت في جزر الاولاد التي لا توجد على خارطة العالم، لم أجد نسخة مثيلة لها على الاطلاق، انا على يقين ان نظام الخلق خاص بها ولم يتكرر أبداً.
"الموتى العشاق لا يموتون" 
هكذا قالوا لي أهل العشق فهم أحياء في فردوس الاله، ماذا أنتظر أنا فلم يعد صبر فراقها يصبر علي، قررت الحياة من جديد فأنا بلا حياة الآن.

-أين تختار الموت واللقاء بها ؟ سألني عقلي بلا أحساس أو شعور بما يدور بداخلي
في البحر المكان الذي التقينا فيه أول مرة مكان الهدوء والسكون النقاء والارتقاء، للاسف لكني لم أشبع من ارتواي بها، لم نمضي مع بعض سوى سنة وثلاثة أشهر، قررتُ الالحاق بها من عمق البحر أردت عناق الجمال.
هل تبحث عن الجمال فهو فاني بكل الاحوال ؟
سؤالك مادي أيها العقل المرهق أتعبتني جداً فأنت لاترى سوى ظاهر الجمال بعينك الجرداء، أما أنا أراهُ بروحي وأشعر به بقلبي وأتذوقه بحواسي الداخلية.
عندما وصلنا للعمق نويت الالتحاق بها فوراً اكتشفت ان كل الطاقم كانوا من العاشقين فغرقت السفينة بنا سوية، خلعت جسدي في البحر ليتطهر من آلآم الحياة خرجت روحي واصلة الى جزيرة الفردوس .
لمحتني قديستي من بعيد ناظرة نظرة الغريب خارج وطنه، طارت روحها من الفرح والتصقت في روحي فنينا مع بعض اتشحت ارواحنا بالبكاء أمسكتُ روحها وطرنا في الفضاء حضننا بعضنا بعض بكينا وابتسمنا ولعبنا ومرحنا ولعقنا بعضنا بعض.
عذراً لا اقدر اصف لكم الجزيرة التي التقينا فيها فعقولكم لا تستوعب سوى الاشياء الحسية، المرة القادمة أعدكم بالتفاصيل اكثر، محباتي لكم.

***
القصة 7 - آلاء عبدالسلام - مصر 
أناسٌ كثر .. تعجبت من ذلك ، فكل ما جال بخاطري حين رأيت تلك الجزيرة عندما لمحتها قبل أن أفقد وعيي أنها مهجورة .. و لكن مهلا ، لماذا يبدون جميعهم كذلك ؟! كلهم على اختلاف جنسهم و اشكالهم و ملابسهم يمشون في حركةٍ دؤوبة و كأنهم جميعا يبحثون عن شيء ما ، لم أكن أبعد عنهم كثيرا و لكن لم يظهر على أحدٍ منهم أنه لاحظ وجودي .. 
استوقفت رجلاً في منتصف العمر بصوتٍ عالٍ :- لو سمحت.. 
نظر لي و لم يرد .. ربما لم يكن صوتي عاليا بما فيه الكفاية .. اقتربت أكثر و جذبتُ كم أحدِ المارين .. 
- اعذرني أنا على عجلة من أمري .. هكذا قال قبل أن ينصرف بسرعة .. 
مشيت بينهم دون أن أحاول ايقاف شخص آخر ، رأيتُ أحدهم يحفر في أرض الشاطئ ، حفرة صغيرة نسبيا ، يتركها ثم يحفر على مسافةٍ منها حفرةً أخرى ، ثم يتركها و ينتقل بضعة أمتار و يحفر ! هل هو مجنون ؟! هل ينقب عن كنزٍ ما ؟ شتت انتباهي عنه صرخة ملتاعة سمعتها فجأة ، نظرتُ ناحية الصوت فوجدت امرأة مسنة تمسك بكلتي يديها كيساً ما خرجت به من ناحيةٍ بعيدة .. من بين صراخها صاحت بصوتٍ منتحب : - كل هذا البحث و لم أجد ما أبحث عنه ، كل هذا البحث ! 
كدتُ أتوجه نحوها حين لاحظتُ أن كل من شاهدها و سمعها ركض تجاهها ، ليس لتهدئتها و إنما ليتصارعوا على ما تحمله ! 
مشيتُ قليلا بعيدا عن هذه الضوضاء ، و شعرتُ أن العطش و الجوع يمزقانني ، أليس في تلك الجزيرة المنحوسة شيئا يؤكل ؟! ليس بها إلا هؤلاء المجانين ؟! وصلتُ إلى منطقة مليئة بالنخيل ، و عندما نظرتُ إلى الأعلى وجدتُ ما كنت أتوقعه ، هؤلاء القوم يسيطرون على الجزيرة بالكامل ، قطع أفكاري سقوط كيس ٍ ثقيل كاد يسقط على رأسي ، تنحيتُ جانبا في فزع ، نزل الرجل من أعلى النخلة إلى أسفلها في حركة رشيقة .. و كأنه معتاد على فعل هذا ، قبل أن أنطق لوح لي بنصلٍ بدائي مهددا :- إياك أن تقترب ، إنه ليس لك .. قررت ألا أخطو خطوةً أخرى قبل أن أفهم ماذا يفعل هؤلاء .. سألته محاولاً أن أحتفظ برباطة جأشي :- كيف عرفت أن ما في يدك لا يخصني ؟! 
ازدادت شراسته وهو يقترب مني :- اهتم بشؤونك الخاصة و أكمل بحثك في مكانٍ آخر ، هيا .. 
زالت كل شجاعتي فجأة و تراجعتُ إلى الوراء ..لا فائدة تُرجى من المخاطرة مع هؤلاء .. مضيتُ كامل اليوم و أنا أحاول تجاهل كل هذا الهراء ، لو ركزتُ مع أولئك الناس لأصبحتُ مجذوباً مثلهم .. عندما حلّ الليل اتكأت على جذع شجرة في مكانٍ منعزل ، حاولتُ أن أفكر و لكن الجوع و العطش استبدا بي ، لم أعلم هل نمتُ أم أني أغمي علي ، لكني أفقتُ مع بدايات ظهور الشمس ، تمنيتُ لو وجدتُ نفسي في فراشي ، صحيحٌ أني كنتُ أعيش وحدي و لكني اخترتُ هذا بنفسي ، فقدتُ أهلي بإرادتي الحرة ، وكذلك أصدقائي .. قال لي أحدهم مرة :- أنت لا تختلط بالناس إلا لتستفيد منهم ، فإذا جاء دورك لتسديد المعروف هربت .. 
إنه على حق ، هذا أنا ، متسلق ، أناني .. حتى مع أقرب الناس لي .. أبي ، أخي ، أمي .. هجرتهم جميعا حتى أتملص من قضاء حوائجهم البسيطة التي لا تعتبر إلا سداد بسيط لمعروفهم معي ، كيف كنتُ أفكر بهذه الطريقة من الأساس ؟! لماذا لم أعاملهم كما عاملونني ؟! إني أفتقدهم جميعا .. 
تنبهتُ إلى الدموع الدافئة على خديي ، وانخرطتُ في بكاءٍ عنيف .. بعد برهة مسحت دموعي و حاولتُ التماسك ، التفتتُ إلى يميني فوجدتُ شيئا عجيبا ، ثمرة فاكهة و معها قربة صغيرة بها ماءٌ بارد .. سجدتُ شكرا للمولى و تساءلت .. هل وضعها أحد الذين رأيتهم .. لا أظن ، ان ما يجمع كل هؤلاء - كما لاحظت- و بما فيهم أنا هي الأنانية .. 
قضمتُ من ثمرة الفاكهة قضمةً واحدة ثم لاحظت أن أحدهم يتلصص علي من وراء الأشجار ، عجبا ، إنه أول طفلٍ أشاهده هنا .. خطا نحوي ببطء وخوف فابتسمتُ له ابتسامة مشجعة ، اقترب مني و نظر إلى الثمرة التي في يدي .. 
- هل تريد ؟! هل أنت جائع ؟ أومأ لي برأسه أن نعم .. فمددتُ يدي له بها .. أخذها و ركض في الاتجاه الذي أتى منه ، و اكتفيتُ أنا بالماء ، نهضتُ من مكاني و سرتُ قليلا بعيدا عن المكان الذي كنتُ فيه ، و بعد قليل لفت نظري وجود منطقة لا يصل إليها الضوء .. اقتربتُ أكثر فإذا هي غابة كثيفة مظلمة تكاتفت الأشجار لتصنع فتحة صغيرة تكفي لمرور إنسانٍ واحد .. و فكرتُ هل أدخل علني أجد شيئا آخر غير هؤلاء الناس أم أرجع إليهم مرةً أخرى .. لم يطل بي التفكير و دفعت بجسدي بين الأشجار ..

كان طريقاً عادياً ، ولكن لا يصله أيّ شعاع نور ، أشجارٌ كثيفة متشعبة على جانبي الطريق ، سمعت صوتاً يصدرُ من بين الأشجارِ فأجفلت .. 
صحتُ بصوتٍ مرتعش :- من هناك ؟! 
بخطواتٍ أحسستها جريئة خرج لي ، و هالني ما رأيت .. إنه أنا ، دق قلبي بعنف و لكني حاولتُ التماسك ، ليس هذا هو الوقت المناسب للإغماء ، دار عقلي بسرعة كموتورٍ أوشك على الاحتراق ، ما معنى هذا ؟! دققتُ النظرَ في ملامحه ، لا شك في هذا ، إنها نفس ملامحي ، ولكن .. هذه النظرة الخبيثة ، وتلك الابتسامة اللئيمة ، و لغة الجسد الامبالية المستهزئة .. كان على أحدنا أن يبدأ بالكلام فبدأتُ أنا : 
- ماذا تريد ؟! 
- ما تريده أنت .. 
- أنت لست أنا ! 
- أنا أسوأ نسخة منك .. أنا أنانيتك و طمعك و جشعك و شرك .. 
- وماذا بعد ؟! 
- على أحدنا أن يعيش .. 
قلتُ له بتحدٍ :- أنت لست أقوى مني 
على عكس ما توقعت قال :- أعترف بهذا ، هيا اقتلني .. 
أخرجتُ النصلَ الذي وجدته بالأمس من وراء ظهري بحركةٍ سريعة و انقضضتُ عليه .. و على بعد خطوة واحدة منه وقعتُ مسلوب الإرادة .. 
ضحك ضحكةً هازئة قائلا :- نعم أعترف أن روحك أقوى مني.. و لكن نفسك أضعف .. لقد سيطرتْ عليك بالكامل لدرجة أنك أصبحت هشاً مفككاً.. أنت تدعي القوة لكنك لاشيء ..
للمرة الثانية بكيت .. تعجبتُ من حالي ! في عالمي لم تكن دموعي تهبط بسهولة ، لم أكن أبكي أبدا حتى في المواقف التي يبكي فيها أغلبُ الناس ، و الآن أصبحتُ كرضيعٍ تركته أمه وحده في ظلامٍ دامس .. 
بنبرةٍ قاسية لا ترحم سمعته يقول :- ابكِ ، أنت تستحق الألم ، هل تذكر رؤى ؟! 
كففتُ عن البكاء في لحظة ، رؤى ، و كيف لا أذكرها ؟! 
كانت تحبني إلى درجة أنها تخلت عن كبريائها لأجلي ، مرةً بعد مرة ، أرفضها فتعود .. 
- لأنك تحبني .. 
هكذا كانت تقول بثقة وهي تنظر إلى عيني بعينيها البريئتين .. 
- تثقين بنفسك زيادةً عن الحد المقبول .. 
تبتسم بوهنٍ و لا تعلق .. فقط تشبك أصابعي في أصابعها بقوة .. 
رؤى .. كنتُ أحبها ، أعرف هذا يقينا .. و لكن في اللحظة التي شعرت فيها أن حبي لها طغى على حبي لنفسي تركتها ، ثلاث مرات ، ثم جاءت المرة الرابعة حين صارحتني بحقيقة مرضها .. لم يكن مرضا مميتا ، و لكنه يحتاج مني إلى تنازلات .. هربتُ منها ، أغلقتُ في وجهها كل الأبواب ، ثم أغلقت باب الندم علي وحدي ، منذ ست سنوات و حتى هذه اللحظة ..

كان ما يزالُ واقفا بلامبالاة و ثقة ، ينظر لانكفائي على الأرض تحت قدميه باستهزاء .. بنبرةٍ واهنةٍ قلت : 
-أنت على حق ، أنا أحقر مخلوقٍ على هذه الأرض ، هجرتُ أهلي كي أتهرب من المسؤولية تجاههم ، و هجرتُ أصدقائي كي لا أرد لأحدهم معروفا ، و رؤى .. الطيبة الجميلة نقية الروح بريئة العينين ، حبي الأوحد في هذه الحياة ، تركتها لظروفٍ عارضة كانت ستصبح هينة لو أنني حملتها معها .. أنا جبان و نذل و حقير .. ولكن .. 
سكتتُ برهة ثم أكملتُ بصوتٍ خافت : - لستُ أنا من يستحق الموت .. 
في اللحظة التالية غرستُ النصل في صدره و أنا أهتف : - إنه أنت ! 
لم أدرِ من فينا الذي صرخ ، و لكني شعرتُ بألمٍ لم يسبق أن شعرتُ مثله في حياتي ، تحديدا في وسط القفص الصدري ، في المكان الذي انغرس فيه النصل .. و لم أرَ شيئا غير بقعة النور الساطع التي تزداد رويداً رويدا حتى أصبحتُ لاأرى إلا النور .. و فقدتُ الوعي ..
________________
فتحتُ عيني ببطء لأتحاشى دخول النور إليهما فجأة ، رغم أن الإضاءة كانت خافتة .. و بدأت أتبين الموجودات من حولي ، لولا حالتي الرثة التي لا تسمح بالدعابة لقلت أن هذا كوخ الأقزام السبعة بعد أن مرت عليه يدا بياض الثلج الرقيقتين ..إناءٌ يغلي محتواه على موقد صغير .. رائحةُ خَبزٍ شهية ، الأزهار الملونة في كل مكان ، خشبٌ كثير ، كل شيء تقريبا قد صُنع من الخشب ، و الشراشف البيضاء التي تتقاطع فيها الخيوط الذهبية .. مكانٌ مريح إلى أبعد حد .. 
نهضتُ على قدمين متثاقلتين و خرجت من باب الكوخ .. كان أول ما رأيت هي السماء الزرقاء الصافية .. بلا شمسٍ حامية .. و أمامي كان نبعٌ صافٍ أمامه جذع شجرة مقطوع تجلس عليه فتاةٌ ذات شعر أسود طويل .. و لكن مهلاً ! إنها توليني ظهرها .. و لكن .. أنا أعرف هذا الشَعر ، أكاد أقسم أني أعرفه خصلةً خصلة .. و هذا الهيكل الناحل .. التفتت لي و ابتسمت فكاد قلبي يسقط .. نفس العينين و نفس الثغر الصغير الفاتن .. 
نطقت بصوتٍ يحن له الحجر فقالت :- تعالَ ، اجلس بجانبي . 
نفذتُ ما قالت .. و شممت منها رائحة تشبه كثيرا رائحة الياسمين غير أنها أرق .. 
- هل أنت جائع ؟! 
- لا .. قلتها دون تفكير و عجبتُ أني فعلا لم أعد أشعر بجوعٍ أو عطش .. و كأنما قرأتْ أفكاري فقالت : 
- لا عجب في هذا ، لقد امتلأت روحك و هذا يكفي .. 
أحسستُ باختناق و أغمضت عينيّ و للمرة الثالثة في يومين دمعت عيناي .. و همستُ برقة تعجبتُ لها : - رؤى ؟! 
ضغطت فجأة على يدي التي تجاور يدها على الجذع ، وقالت بنفس الصوت الذي أشعر و كأنما يسجنني داخلها :- 
- أنا لستُ رؤى ..رؤى جزءٌ مني . 
- من أنتِ إذاً ؟! 
- أنا أحلامك المفقودة ، أنا كلُ فقدٍ أخذ من قلبك جزءا و رحل .. 
- ماذا أتى بي إلى هنا ؟ 
- ما أتى بكلِ هؤلاء . 
- من هؤلاء ؟! 
- كل هؤلاء شخصٌ واحد .. شخص أناني يريد ان يمتلك ولا يعطي ، كل واحدٍ منهم صورة لذاتك .. 
- عن ماذا يبحثون ؟! 
- عن الوهم ! لن يجدوا شيئا مهما بحثوا .. 
- و لكني وجدتك .. 
- أنت تختلف .. أولا ، لقد نجحت في الاختبار عندما أعطيت الولد ثمرة الفاكهة .. ثانياً لقد كنت شجاعاً جداً عندما واجهت نفسك و قتلتها .. أهنئك على هذا ، و الآن قل لي .. 
وضعت أناملها الرقيقة على صدري و أكملت :
- هل ذهب الألم ؟ 
تنهدتُ بارتياح وقلت :- ذهب الألم. 
ابتسمت لي و بادلتها الابتسامة ، ثم قامت من مكانها آخذةً بيدي معها .. أمشي معها مستمتعاً بحنان ضمة يدها على يدي .. حتى وصلنا إلى الشاطئ ، ومن بعيد وجدتُ سفينة قادمة ، كدتُ أصرخ من الفرحة حين قالت :
- لا تقلق إنهم يبحثون عنك ، و قادمون لأجلك ، لقد انتهت مهمتك هنا . 
نظرتُ لها بحبٍ خالص متسائلاً : 
- وأنتِ ، ألن تأتي معي ؟! 
سحرتني بصوتها وهي تقول : 
- انظر بداخلي جيداً ، أنا لستُ إلا صورة ، ليست مهمة الأحلام المفقودة أن تعود .
- ماهي مهمتها إذاً ؟ 
ابتسمتْ ابتسامة حزينة : 
- أن تظل مفقودة ، لتعود أنت إليها في وقتٍ ما لتتعلم منها و تتخلى عن وجعك بكامل إرادتك الحرة حين تقتل نفسك على بابها .. و لكن ، أعدك أنك ستقابلني في صورةٍ أخرى ، حافظ علي عندما تجدني في المرة المقبلة .. عدني بذلك .

اقتربتُ منها و ضممتها إليّ و أنا أقولُ باستسلام :- أعدك . 
و أحسستُ كأنها تذوب بين خلاياي فتبرأ كل خلية قد شعرتْ بألمٍ في وقتٍ ما ، و عندما انتهتْ الضمةُ لم أجدها .. ولكني وجدتُ ذاتي الحقيقية التي ستعودُ معي إلى أرضي ، ستعودُ بي إنساناً آخر بلا أنانية ، بلا غضب و بلا ألم .

للقراءة
من القصة 8 إلى 13

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجتمع مصر

اقتن نسختك الآن

اقتن نسختك الآن

التبادل الاعلانى

Discussion

جميع الحقوق محفوظه © دار إنسان للنشر

تصميم الورشه