إنسان على فيسبوك

سطر من المنتصف - التطبيق الخامس من ورشة 120 يوم

0
ضمن فعاليات ورشة 120 يوم كتابة 
التطبيق بواسطة طارق عميرة يتضمن :

(لكن عندما دخل من باب المقهى كانت جالسةً هناك , هي ذاتهَا , لكن شخصًا ما كان يجلس على المقعد المقابل لهَا , اقترب منها في انفعالٍ غاضب و أمسك بذراعهَا صارخًا :
- من هذا ؟!)
وجاتء دور المشاركين لفعل التالي :
1- كتابة قصة تتضمن هذا المشهد , مع وضع البداية والنهاية .
2- اختيار عنوان للقصة .


إلى القصص المكتوبة ,
القصة 1
"كأن شيء لم يكن "
سارة علاء أبو السعود

استيقظت في الصباح الباكر.. بحيويتها المعهودة و ابتسامتها الرقيقة لتمسك هاتفها و ترسل رساله إلي حبيبها تخبره أنها استيقظت و تطلب منه أن يراسلها في حين استيقاظه .. ارتدت ملابسها للذهاب للجامعه و بين الحين و الآخر .. تهاتف حبيبها لتطمئن أنه استيقظ لكنه لا يرد 
دخلت المدرج لتتلقي محاضرتها لكنها وجدته يقف و يمزح مع بعض الفتيات ، هاتفته مرة اخري لتراه من بعيد يخرج هاتفه ليري من المتصل ثم يرجعه إلي جيبه مرة اخري بتذمر بينما الفتيات تضحك معه ..تنهدت بيأس و جلست بجانب رفيقتها لتستمع إلي المحاضر و تسجل ملاحظتها بتركيز شديد 
انتهي اليوم الجامعي و كانت جالسه مع رفيقتها في المقهي المفضل لها ليأتي شاب و يجلس دون استأذن ..يحادثها كأن شيء لم يكن ، نعم هو حبيبها لكنه يهملها .. قامت صديقتها و انسحبت بهدوء لترحل .. فهي تمقته و حذرتها كثيرا من رفقته.. لكن ماذا تفعل في قلبها الذي يهواه ..عاتبته برفق علي عدم رده عليها و علي اهماله و هو يتحجج بمشاغله و يتهمها أنها مريضة اهتمام ! 
أي مرض هذا..كل ما تريد أن تسمع صوته و أن تشعر بحبه.. أليس هو من ركض خلفها و أغرقها بإهتمامه حتي وقعت في شباك حبه ! أين هذا الاهتمام الآن .. شعرت بإحباط من كلامه و هو لاحظ ذلك من عينيها الذي ارتسم الحزن فيهما ببراعه " كيف يمكن لعينين أن تكونا بكل هذا الوضوح و كل تلك البراءة " لذلك بينه و بين نفسه..يحبها ، يحب سذاجتها و كيف تغفر له ذلاته ، بقاءها حين يرحل الجميع ، واثق أنه مهما غاب و ابتعد ..سيرجع ويجدها في انتظاره و حبه ينبض في قلبها ، لذلك يهملها فهو ضمن ولائها و متيقن بأن حبه راسخ بداخلها ، مهما أخطأ ستغفر هي ، فلا بأس أن يعبث قليلا ففي النهاية قلبها سيعفو عنه.. طلب كوبين من القهوه و أخذ يسمعها معسول كلماته لتبتسم هي في خجل و تنسي إهماله و تتحدث معه كأن شيء لم يكن .. أوصلها للمنزل و أخبرها أنه سيهاتفها في المساء و طلب منها أن تنتظره.. وعدها بأنه لن يتأخر هذه المرة و هي صدقت.. كالعادة صدقت وعده و كالعادة أخلفه هو .
كانت ممسكه بهاتفها حتي منتصف الليل يغالبها النوم .. تنتظر أي رساله أو أي اتصال.. لكن بلا جدوي .. هو نحث بوعده هذه المرة ايضا..لذلك أرسلت له رساله بعدما نال منها اليأس " في يوم ما سأرحل و لن أعود أبدا.. ستبحث عني و لن تجدني..سأكون أمامك و لن تستطيع أن تتحدث إلي و أخيرا أُبطل السحر الذي ألقيته علي قلبي و تحرر من لعنة حبك .. سينساك قلبي كأن حبك في يوم من الأيام شيء لم يكن" 
في صباح اليوم التالي ذهبت للجامعة لتجده مرة أخري يقف مع بعض الفتيات..نظر لها من بعيد و ابتسم و اقترب منها يسألها عن حالها.. كأنه لم يطلب منها أن تنتظره ، و كأنه لم ينحث بوعده معها..كيف يأتي بكل هذه البساطة كأن شيء لم يكن و يحادثها بل و يمزح ايضا .. تجاهلت وجوده .. ربما لم يأخذ كلامها علي محمل الجد.. هل ضمن وجودها أم يظن أنها حمقاء ؟ .. ذهبت للحاق بمحاضرتها بينما هو وقف محرج بين رفاقه..كيف لفتاة أن تفعل به هكذا..بل كيف لهذه الفتاة خصيصا..المتيمة به عشقا أن تتجاهله هكذا ! .. لحق بها لكن عند دخوله للمدرج وجد المحاضر قد بدأ بالفعل .. فلم يستطيع أن يعرف أين مقعدها ليتحدث معها و قرر أن ينتظر لنهاية المحاضرة ليتكلم معها و يعاقبها عن تجاهلها له .. لكنه لم يراها ، ربما خرجت من الباب الآخر .. ظل يهاتفها لكنها لا ترد عليه 
انتهت المحاضرة و طلبت هي من رفيقتها أن يذهبا إلي المقهي لتحدثها في أمر ما.. كانت تعلم أنه يبحث عنها ليداوي كرامته المجرحه بسبب تجاهلها له .. كانت تحتاج أن تتحدث ألي أحد..تحتاج لمن يسمعها .. لذلك أخرجت كل ما بقلبها .. تشعر بالخذلان ، لقد خيب آمالها ، يؤلمها الانتظار وهو يجعلها تجترعه كل يوم ، كانت تكن له حب كبير لكن تصرفاته كانت تمتص هذا الحب ليقل يوما بعد يوم حتي أوشك ع الانتهاء .. أو ربما انتهي فعلا 
كانت صديقتها تسمعها بينما عيناها تعانقها برفق مشجعة إياها أن تكمل و ألا تخجل من الاعتراف بخيبة الأمل التي تحتل وجدانها ، ظلت تتذكر إهماله.. لكنه لم يكن فقط مجرد إهمال .. بل جرح كرامتها و طعنها في أنوثتها عندما كان يقف يمازح الفتيات أمامها دون أن يراعي غيرتها و كيف لا يجيب ع اتصالاتها.. أكانت حمقاء إلي هذه الدرجه.. كيف صمتت عن كل هذا..هي ليست بالضعيفه لذلك كفكفت دموعها و أمسكت هاتفها و بدأت في حظره من كل وسائل التواصل الذي يحادثها منها .. كما حظرت رقمه ثم مسحته 
لتسألها صديقتها " هل أنتي بخير ؟ "
لترد هي بارتياح " أنا لم أكن بخير سوي الآن " ..ثم تتابع بمرح " كيف كنت أحب هذا الأحمق " كأنها كانت فاقدة البصيرة و استعادتها للتو 
حاول هو مرارا أن يتواصل معها لكن تم حظره ، لا يستطيع أن يرسل لها رسالة أو يتصل بهاتفها حتي ، أين المتيمه به الآن..أتتخلي عن حبه ! مستحيل .. فهي تعشقه..كان هذا ما يدور في خلده ، كان يراهن علي بقائها ولم يدرك حتي الآن أنه خسر الرهان 
مرت الأيام سريعا و لم يقدر أن يقابلها بالجامعه حتي.. فصديقتها تقف له بالمرصاد ، أشتاق إليها كثيرا .. لرسائلها الصباحيه و قلقها عليه .. أفتقد شعور أن يسهر أحد لأجله و ينتظره .. يعترف الآن بغباءه معها.. يتمني لو تعود و تغفر له ذلاته و يعدها من جديد أنه سيتغير لأجلها .. لكن هل ستصدق وعده هذه المرة.. هو نفسه لا يثق بوعده 
كان يمشي بلا هدي ..لا يعرف أين يذهب .. يفكر بها.. نادم علي كل مرة تأخر عليها و كل دقيقه أضاعها بعيدا عنها..تذكر رسالتها له فهو بالفعل يبحث عنها و لا يجدها ..أوقفته رائحة القهوه القويه..إنه المقهي المفضل لها و الشاهد ع لقائهما.. قرر الذهاب ليشرب كوب قهوه لعلها تخفض من اشتياقه لمحبوبته الغاضبه منه..كل ما يحتاجه أن يتحدث معها و يغازلها قليلا لتسامح هي و تغفر و تعفو لتعود مجددا تحبه و تسهر الليالي من أجله ثم يعودان ليتحسيان كوب القهوه سويا 
لكن عندما دخل من باب المقهي كانت جالسه هناك ، هي ذاتها ، لكن شخصا ما كان يجلس علي المقعد المقابل لها ، اقترب بانفعال غاضب و امسك بذراعها صارخا 
_ من هذا ؟! 
و كانت الإجابة عن سؤاله هي لكمة قويه أدت إلي سقوطه ع الأرض بينما شفتاه و أنفه ينزفان .. نظر إليها لم يجد قلقها الدائم عليه..بل وجد طبقة من البرود تغطي عيناها فلم يعد يستطيع أن يقرأ مشاعرها .. لاحظ خاتم الخطبة حول بنصرها ..هل أصبحت لأحد غيره ! بينما هو في ذهوله ..أتي أفراد الأمن و قاموا بسحبه بطريقه مهينه و طرده خارح المقهي .. لتنظر هي له بابتسامة باردة زينت محياها.. كأن ما حدث له داوي كرامتها المجروحة منه 
فاقت من شرودها ع صوت خطيبها 
_ هل تعرفينه ؟
= لا ..لم اقابله من قبل 
_ هل أنتي بخير.. هل آلمك عندما امسك ذراعك ؟
= انا بخير لا تقلق 
_ اذا فنكمل حديثنا ..أين كنا *_^
لتبتسم هي له.. بينما تمحي من ذاكرتها كل الذكريات المتعلقه بحبيبها الاول ليبدأ حبها الجديد أن يستوطن عقلها و قلبها .. حب جديد شعرت كأنه الأول و كأن كل حب قبله كان شيء لم يكن 
#سارة علاء

***
القصة 2
السارقة
كتابة : يارا حسني

إنها من وقعت عيناه عليها - لأول مرة - بالمركز التجارى " الهايبر" ، هى غير عادية بكل شىء ، ولو أنه يعجز أحيانا عن تمييز الأختلافات بينها وبين سائر الفتيات ، لكنها حقا مضيئة كقطعة الألماس النفيسة .
كانت " مى " من الوجوه المعتادة للمجىء بالمركز التجارى ، حيث يعمل كاشيرا ، وكانت كلما تجولت هنا وهناك ، لم تكن عيناه تتوقف عن متابعتها بلهف وجنون ، وذات مرة تقدم أحد أفراد الأمن بإتجاهها بشكل عنيف صارخا : ماذا تفعلين ؟ ثم ينادى : يا محمد ، يا سلامه ، فيهرول إليه نفرين من زملاءه يحاصرونها ، ويتدخل أسامه بعد أن فزعه المشهد ، خالقا بعقله الظنون والتسائلات ، صاح العم حميد : إنها السارقة يا أستاذ أسامه ، أنظر ألى ملابسها ، مظهرها وأناقتها ،ماذا تركت للمحتاجين والفقراء ، إنفجرت بالبكاء قائلة : ماذا تقول يا رجل ؟ هل أصابك الجنون ؟ 
قال : ولا تخجلين من فعلتك المشينه ، قاطعه أسامه : أتركها يا عم حميد ، شكرا لك دع الأمر لى ، مقتربا منها كما لو أنه يريد أن يشملها بمجاله و عطفه ، أشاح الرجل قائلا : لا يصح هذا مع أمثالها ، إذا أردت الأستشهاد بكاميرات المراقبة ، فلا مانع 
يحتد قائلا : أترك الأمر لى ، شكرا لك ، وعاد برفقتها إلى محله وهو يطمأنها قائلا : لم يحدث شيئا ، سيصير الأمر على ما يرام ، يحدث أحيانا أن نسهو ونضع بعض من المشتريات فى حقائبنا الخاصة ، لاحظ أنها لم تتوقف عن النظر إليه برهف وإمتنان ، كانت تشع بريقا من الرقة والأنوثة حتى فى بكائها ، بينما تلتفت يمينا وشمالا بوجه مكفهر ، أعطى لها شيك دفع حساب المشتريات قائلا: فقط ألفى جنيه ، أخرجت من حقيبتها بطاقة الإتمان البنكى بيد مرتعشة وأعصاب منهاره ، ثم مضت وعقله لا يكف عن طرح التسائلات ، أما عن قلبه فقد أصيب بسهمها النافذ دون مقاومة منه .
ومضى يومان حاول فيهما أن يتجاوز الموقف العابر ، متناسيا بريقها الآخاذ ، الذى رمى به إلى الخازنة العاطفية التى تخصها ، ورأها من جديد تتجول بين أروقة السوبر الماركت ومعها صديقة ، تمنى لو أتت إليه دون غيره من أفراد الكاشير ، وحدث ووقفت بصف الزبائن أمامه ، وأتى دورها وتلاقت الأعين وأحتدم الشوق بداخله ، متظاهرا باللامبالاه ساد صمت قطعت حدته قائلة : أنا ممتنة لك ، لقد أنقذتنى من فضيحة كبرى ، ومشكلات لا يمكن تخيلها .
أبتسم قائلا : لا داعى للشكر ، بحكم خبرتى أستطيع أن أميز بين الناس ؛ فلا يمكن إتهامك أبدا ، حاشاكى ، وضعت أمامه بطاقة تعريفية عليها الأسم ورقم التليفون والعنوان والبريد الألكترونى ..ألخ ، وتم التواصل بينهما ، تحكى له كيف تربت بين أبوين منفصلين ، وهى تعيش وحيدة مع مربيتها بحى المعادى ، لها أخ وحيد يعمل بوزارة الآثار ، وتوالت لقائتهما لتكشف له أنها عانت من أزمة نفسية جعلتها تعانى من سلوكيات غريبة من أهمها الأستحواذ والسرقة ، رغم عدم حاجتها ؛ وتفسير هذا أنها تعانى من حرمان عاطفيا ونفسيا زج بها إلى مثل هذه التصرفات ، ربط على كفيها قائلا : سأعوضك يا مى عما مضى ، وسننسى معا ما ألم بنا من خيابات ، مررت بالكثير أنا أيضا .
وفى يوم كانت الأجواء تميل إلى عاصفة فى فصل الخريف وقبل أن يتجه إلى عمله الروتينى الشاق آوى إلى ركن القهوة ، طالبا مشروبه الصباحى المعتاد ، وعندما دخل باب المقهى كانت جالسة هناك ، هى ذاتها ، لكن شخصا ما كان يجلس على المقعد المقابل لها ، أقترب منها فى أنفعال غاضب وأمسك بزراعها صارخا : من هذا ؟ 
يراها فى أرتباكها القديم متلبسة بتهمة أخرى وهى الخيانة ، وإذا بالشاب الذى ترافقه يتدخل : من أنت يا هذا ؟ 
تقول بصوت ضعيف يخالطه البكاء : أنا آسفة يا أسامه ، نسيت أن أحكى لك أنى كنت مخطوبة لهشام ، واﻵن قد عادت بيننا المياه إلى مجاريها 
صاح غاضبا : اﻵن أراكى على حقيقتك يا بنت الأكابر ، لست أكثر من مجرد سارقة تندس بين البضائع لتقتنص أغلاها ، كان على أن أقطع يدك الآثمة الطماعة
بكت متوسلة : لم أكن أعلم أن يحدث كل هذا ، صدقنى كنت أظن أنه لن يعود ، وأنى نسيته .
قال وهو يصاحب النادل إلى خارج المقهى : أنها جريمتك وعقابك الإحتقار والنسيان مهما توسلتى ، أنت أكثر الناس مكرا مهما تظاهرت بالندم ، سيكون هذا درسا لى حتى أردع من يسرق الحقوق ويستحل هوان القلوب

***
القصة 3
 "نهاية النغم"
يمنى جاد

"قلبي كان وياك في بعدك زي ما كان لك في قربك.."
جلس على فراشه وسط صوت نجاة الذي يلجأ إليه وقت حزنه وقد أغلق كل أضواء الغرفة تماما كما فعل في هاتفه؛ يتذكر موقف مشابه منذ أكثر من ثلاثة أشهر، يتمنى لو يعود لذلك الوقت، على الأقل كان قلبه ينعم بهمستها الرقيقة "أحبك" بدلا من حرمانه منها تماما، ثلاثة أشهر قضى أقل من نصفهم بكثير معها والجزء الآخر قضاهم في حداد على فراق لم يختره يوما..
وقتها كان يفكر في كل ما حدث، فحبيبته كانت تضيع منه لسبب لا يستطيع فهمه، لا يستطيع فهم أي شيء سوى أنها وفي لحظة واحدة طلبت منه الابتعاد عنها، كيف وهي الهواء الذي يتنفسه قلبه ولن يستقيم أي شيء في حياته دونها؟
تذكر حوارهما الأخير في المقهى الذي شهد على كل لحظات حبهما، كانت أول مرة منذ سنوات يشعر بانقباضة في قلبه لرؤيتها، شيء خفي أخبره أنها النهاية، اقتربت منه والحزن يحتل عينيها رغم القوة الزائفة التي تحاول رسمها على ملامحها:
- صباح الخير يا نغم، ما الذي يحزن عينيك؟
- نور يجب أن نفترق. 
شعر بقلبه ينتفض فجأة بداخله، مجرد كلمات ولكنها كفيلة لأن تخطف الروح من جسده، قال بانفعال حاول أن يتحكم به: نغم أنا أكره هذا المزاح. 
أبعدت وجهها عنه دقائق قبل أن تنظر لعينيه مرة أخرى: لست أمزح نور. 
- وما معنى هذا؟
- هذا آخر لقاء بيننا.
- ستتركين قلبي وأنت تعلمين أنه يتيم دونك؟ 
- أنسيت أن قصص الحب خلقت لتنتهي؟ 
- قلبك وعدني بالبقاء حتى النبضة الأخيرة.
تنهدت قبل أن تقول: نور أرجوك كل كلامك هذا بلا فائدة، لقد اتخذت قراري وانتهى الأمر. 
- القرار ليس بيدك وحدك، ماذا حدث من أجل هذا؟ ماذا فعلت؟ الله وحده يشهد أنني كنت أحاول فقط إسعاد قلبك في كل ثانية، لقد قررنا سويا أن اتقدم لخطبتك نهاية هذا العام وكنت سعيدة بهذا القرار، فما يؤرقك غير ذلك؟
وقفت مكانها وقد بدأت عينيها تلمع كإنذار قبل سقوط الدموع: نور، وضعي لا يسمح أن أشرح لك، ولكن بقائنا معا أكثر مستحيل، أتمنى أن تحترم ذلك، لا تتصل بي ولا تحاول لقائي بأي طريقة، وداعا. 
- إلى اللقاء نغم. 
- لا لقاء آخر نور، وداعا.
ثم رحلت سريعا بالسرعة التي خطفت بها قلبه في اللقاء الأول، مازال يذكر هذا اليوم بكل تفاصيله وكأنه كان أمس، كان صباح يوم مطير في أول عام له في الكلية، الكلية لم يحبها ولم تعرف طريقا لقلبه إلا بعد رؤيتها فيها، حجبت غيوم الشتاء الشمس لكنه لم يتوقع أن تظهر شمس حياته يومها، كانت تائهة تبحث عن أي شخص يشرح لها شيء ما، فتكفل هو بالأمر بعد أن أودعها قلبه لتعتني به في المقابل، عرف يومها من النظرة الأولى أنها ستكون نغم قلبه، قضى معها ثلاث سنوات من أمتع وأجمل وأرق ما عاصر طوال حياته، وكل يوم تزداد مكانتها في قلبه أكثر وأكثر، فكيف لها أن تقرر الفراق هكذا دون سبب؟ كيف وهو الذي لم يفعل أي شيء يوما سوى إرضائها وإسعادها؟
قرر بعد صراع طويل مع الألم أنه في الصباح سيذهب لها، حتما ستكون أعصابها قد هدأت ويمكنه فهم كل شيء منها..
وبالفعل استيقظ صباحا وذهب إلى مكانهما المعتاد، وقف دقائق بالخارج يتأمل واجهته الزجاجية قبل أن يدخل، حاول الإتصال بها ولكنها لم ترد كعادتها في الأيام الاخيرة، فقرر الدخول وانتظارها، فهي حتما ستأتي هنا، لكن عندما دخل من باب المقهى كانت جالسة هناك، هي ذاتها، لكن شخصا ما كان يجلس على المقعد المقابل لها، اقترب منها في انفعال غاضب وأمسك بذراعها صارخا:
- من هذا؟!
نظرت له بتفاجؤ لكنها أخبرته بغضب: شيء لا يعنيك، أرجوك أرحل من هنا ولا تريني وجهك مرة أخرى.
أخذ نفس عميق ودقات قلبه تزداد أكثر وهو يقول: لن أرحل قبل أن أعلم من يكون نغم!
- إنه جاسر، خطيبي، وزوجي المستقبلي نور هل يضايقك هذا في شيء؟
- اوتسألينني حقا؟ تسألين نغم؟ نغم أنت لي، لم يخلق بعد من يأخذك مني. 
- بل خلق وأخذني بالفعل، وأنا سعيدة بذلك، سعيدة كما لم أكن يوما معك، هل ارتحت الآن؟ هل تذهب رجاءا الآن وتتركني وحدي معه دون أي إزعاج آخر؟
- أهذا قرارك النهائي؟ أمن أجله قررت البعد؟ 
- نعم نور هذا قراري النهائي، لقد اكتفيت منك.
- وداعا نغم. 
قالها وذهب بقلب مشتت، لتجلس هي مكانها وتأذن لعينيها بالبكاء أخيرا علها تعبر عن بعض من الحزن الذي يحتلها، لم تتمنى يوما جرحه بهذه الطريقة ولكنه القدر يعطينا كل الحب الذي حرمنا منه في لحظة ثم يسترده مرة أخرى ليعطيه إلى مغفل آخر، هكذا تستمر الحياة.. تتألم لعذابه ولكن عذاب لحظة فراق أهون من عذاب عمر كامل، تعلم أنه يعاني الآن ولكنه سيعتاد الأمر بعد أيام وسيعتاده أكثر بعد غيابها تماما.
وضعت يدها على رأسها وقد تشوشت الرؤيا لديها وشعرت بالمكان يدور من حولها، اقترب منها جاسر وسألها: هل أنت بخير؟
فهزت رأسها سلبا ليحملها في الحال إلى أقرب مشفى دون أن يلتفت لبعض أوراقه وتركها على الطاولة..
على الجانب الآخر كان نور يسير حزينا غاضبا، يحثه قلبه على العودة ولكم ذلك الجاسر السارق مرة واحدة قبل أن يبتعد، حاول منع نفسه كثيرا إلا أنه لم يستطع في النهاية وسلك طريق العودة مرة أخرى. حين وصل جال المطعم بعينيه بحثا عنهما إلا أنه لا أثر لهما، شعر بالحزن أكثر فتحى الطريقة الوحيدة التي سيخرج حزنه بها لم تفلح، استدار وكاد يغادر المكان إلا أن صوت النادل اوقفه: أستاذ نور.
وقف فاقترب منه النادل وهو يقول: حبيبتك نسيت هذه الأوراق هنا قبل أن يحملها هذا الشخص ويرحل. 
- ولماذا حملها؟ 
- يبدو أنها شعرت بالدوار فجأة بعد رحيلك. 
فأخذ منه الأوراق سريعا ليجد أنها أوراق تحاليل عليها إسمها كما يوجد شعار للمشفى في جانب الورق، فسأل عليها وقرر الذهاب إلي هناك ليفهم كل شيء.
وصل إلى المشفي بعد وقت طويل على قلبه كان فيها لقمة سائغة للخوف والظنون، لا يتمنى شيئا أكثر من رؤيتها لمرة أخيرة والاطمئنان عليها فقط. رأى ذلك الكائن المسمى جاسر عند أحد موظفي الإستقبال، اتجه إليه مباشرة وسأله بغضب: أين هي؟ 
نظر له بتعجب قائلا: كيف عرفت أننا هنا؟ 
مد يده بالأوراق ليفهم جاسر الأمر، سأله نور: ماذا يحدث معها؟ هل هي بخير؟ أريد فقط رؤيتها للمرة الأخيرة ومن ثم سأذهب وأتركك تهنئ بها. 
تنهد جاسر قبل أن يقول:نور أنا أخيها، أمر خطيبها مجرد حيلة لإبعادك عنها، نور.. نغم تحتضر.. سرطان الثدي أمر وراثي في العائلة، حين طال الوقت وهي بخير ظننا أنها نجت، ولكن للأسف صفعنا المرض ووقف يشاهدنا ساخرا من بعيد، اكتشفنا أنها في المراحل الأخيرة التي يصعب معها العلاج.. الفراق كان رغبتها هي، لم تكن تريد عذابك فيكفي عذاب المرض عليها، ولكنها تحتاجك بجانبها لتتحمل قليلا مما تعاني، أنت أمام خيارين، إما تذهب الآن وكأنك لم تعرف شيئا أو تأتي معي لتساندها في أيامها الأخيرة ومهما كان قرارك لن يلومك أحد عليه. 
شعر نور بالدنيا تدور من حوله وكل شيء يتشوش، رأى جاسر يتحرك أمامه متجها إلى المصعد فذهب خلفه سريعا فلن يترك نغم قلبه تعاني وهو يعلم بالأمر، لن يتركها وحدها.. 
بعدما دخل المصعد نظر له جاسر مبتسما فبادله إياها وهو يحاول تمالك نفسه وعدم البكاء، يجب أن تستمد منه القوة، ولكن الأمر صعب عليه، لمن ستتركه؟ كيف سيحيا في عالم ليست فيه؟ 
دخل الغرفة ليجدها ممدة على الفراش والأجهزة تحيطها من كل جانب، وجهها شاحب وشعرها ملقى حولها بإهمال، ماله المرض ومال زهرة حياته؟ لماذا هي؟ 
سمع همسة رقيقة تخرج من شفتيها: نور؟ 
أقترب منها وهو يقول بحنان: قلب نور. 
قالت بوهن: ماذا تفعل هنا؟ 
- وأين يجب على الحبيب أن يكون؟ 
- نور... 
- لن أرحل. 
- أرجوك، أريد لذكرياتنا معا أن تدخل على قلبك الحب والسعادة، لا الحزن والحسرة، لا أريدك أن تتذكر أيام مرضي، أرجوك أذهب إن كنت تحبني بصدق. 
- أنا أحبك بصدق ولذلك لن أبرح. 
ظل معها طوال الوقت، لم يتركها لحظة واحدة، استطاع رسم البسمة على وجهها وإن كانت الحياة غائبة عنها وليست مشرقة كالمعتاد، يمسك يديها ليلا ليطمئنها حين تستيقظ متألمة، يعلم أنه سيستيقظ ذات يوم ليجد لحنها وصل لنهايته فيتمنى لو يتوقف قلبه قبل تلك اللحظة. 
ولكن كيف له تغيير القدر؟ عاجلا أم آجلا سيأتي ذلك اليوم.. 
استيقظ بعد عشرة أيام على الصوت الذي تمنى ألا يسمعه يوما، إنذار جهاز القلب، لا يرى فيه إلا خط مستقيم، خط استقامت معه حياته، نظر لها بصدمة والدموع تنهمر من عينيه في صمت، دخل الطبيب بسرعة، دفعته الممرضة خارج الغرفة، استند على الحائط يراقب كل شيء من خلف الزجاج، فحص نبضها، محاولة لإنعاش قلبها، لا استجابة، غطى وجهها، خرج بحزن، البقاء لله، خرجت من الغرفة على فراش متنقل، وضعت داخل صندوق، وحشة المقابر، عويل في كل مكان، رفع جسدها بالكفن، افترشت التراب بدلا من صدره، الرمل يرمى عليها، جسدها يختفي تدريجا، اختفى تماما.. إنها النهاية.. نهاية النغم.. نغم حياته وقلبه توارت تحت الثرى بلا رجعة..

***
القصة 4

لست وحدك 
شيماء البدوي

لم يستيقظ على صوت المنبه مثل كل يوم ، ولم يعاني من صراخ أمه المعتاد المحبب إلى قلبه رغم ضجيجه والمتكرر يومياً ، لم يرَ ذلك البصيص من شعاع الشمس البسيط النافذ من خلف ستارة نافذة حجرته والذي يعطي بصيص من الأمل يوميا ً كما يلقبه " شعاع الأمل " ، بل أيقظه ضوء الشمس القوي وكأنه يضرب على عينيه ووجهه ويقذفه بشعلات من النار ، تلك النار التي لا يزال يشعر بها تستعر بداخله ، صارت بالخارج أيضا ً ، وتطرق أذنيه أًصوات عالية تتزايد ولا تقل كالمِطرقة ، حاول أن يفتح عينيه ولكنه لم يستطع من شدة الضوء ، وما إن استطاع النهوض قليلاً ليجد نفسه على الرمل الساخن على الشاطيء ، وبجواره زجاجة المياة الخاصة به ، انتفض من مكانه ليتحسس محفظته ليجدها مكانها هي والموبايل وساعته كما هي في معصمه ، كل شيء على ما يرام ، رغم أن كل شيء بداخله لم يكن على ما يرام ، ولكنها العناية الإلهية عندما تحيط بالإنسان تحميه من فم الأسد ولو كان على مقربة شبر منه بقدرته تعالى ، حاول أشرف أن يستوعب أكثر حيث يبدو أنه قد فقد الذاكرة نسيان مؤقت ، وأخذ يسأل نفسه أين أنا ، وما الذي أتى بي إلى هنا ؟ ، المارة يتعاقبون واحدا ً تلو الآخر ، وتعلو أصوات أمواج الشاطيء ، وتزداد حرارة الشمس ، وما أن استطاع النهوض ، وتمشى قليلاً حتى يستطيع أن يستعيد وعيه ونشاطه ، وإذا به يشعر بخبطة شديدة في كتفه الأيسر وحاول النظر ليجد من يصيح به بعلو صوته ألا تركز من أين يأتون بكم أنا لا أعرف ؟، لمْ يستطع أشرف الرد فما أن نظر إليه ليجده رجلاً ضخماً نعم ضخم ، ممتليء العضلات ووجده ينظر اليه مكشرا ًعن أسنانة وكأنه يقول للشر تطاير فأنا اريد أن اتشاجر ، اعتذرمنه أشرف ليخمد ذلك الشرر ، ورمقه ذلك الشخص بنظرة تعجب متعجرفة غاضبة ثم انصرف عنه ، أخذ أشرف يأخذ أنفاسه حتى يهدأ ويسرع في مشيته قليلاً ، وأخذ يتذكر موقفاً شبيها ً لهذا الموقف ولكن منذ عامين ، في نفس المكان تقريباً ، ولكن كانت الخبطة وقتها خبطة أنثوية رقيقة من نوع آخر ، وكان الرد شرسا ً ، ولكنه رد من قطة مهما توحشت فهي رقيقة ، كانت مها التي التقى بها فجأة في ذلك المكان ، ولم يكن يعرف أنها المفاجأة القدرية التي ستودي به الى طريق كله آلام لمدة عامين ،
-مساء الخير آنسة مها آسف لإزعاجك جدا ً لكن حبيت أبلغك ان الموبايل اتصلح تمام ومعاي اقدر اقابل حضرتك فين اسملهولك ؟
*" مساء النور ا.اشرف ، شكراً جداً لتعبك ، ممكن عند نفس الشاطيء في نفس المكان ، من عادتي أن اجلس هناك صباحاً .
-آه تمام قصدك المكان اللي اتصدمنا فيه ههههه آسف باعتذر .
*لا ولا يهمك ا. اشرف نلتقي على خير وشكرا لتعبك "
.........
كانت تلك بداية الحكاية ، الآنسة مها ، إنسانة رقيقة ذات ملامح أنثوية ذات الأنف المدبب والعينين اللامعتين كعين قطة على استعداد ان تنهشك في أي لحظة إذا حاولت الإقتراب منها ولكنها إذا أحبتك فستسقيك من الحنان ألواناً .
كل شيء بدا واضحاً في الذاكرة تماماً كيوم حدث ، أخذ أشرف يحدث نفسه ، يا الله لماذا يحدث لي كل ذلك بحق السماء ؟ لم تعرفت عليها ، كم كنت أحب الصدف واعتبرها سبباً لكل أقدارنا الجميلة ، ولكن تلك كانت صدفتي الحزينة !
أكمل اشرف طريقه ليذهب الى شقته والتي تطل على الشاطيء مباشرةً ، وأخذ ما يكفيه من مشتريات كفيلة لئلا يحتاج للنزول مايقارب ثلاثة أيام ، إنه يريد أن يختلي بنفسه ، لا شيء سوى هاتفه والبحر وعلبة سكائره التي عاد إليها بعد أن كان قد أقلع عنها بعد إلحاح مها عليه خوفاً على صحته ، ولكن الآن لم يعد هناك ما يستدعي الخوف على صحته فلقد انتهت مها وانتهت الدنيا في نظره أو توقفت توقفاً مؤقتاً غير محدد المدى .
كانت مها نموذجاً للمرأة المثالية في نظر أشرف ، لقد كانت تلك الأنثى الملقبة بالست الجدعة ، فهي تساند في الأزمات ، قنوعة لا تطلب الكثير ، مليئة بالحنان والعاطفة ، جميلة رغم عنفها أحياناً ، جُلّ مشكلتها في عفويتها الزائدة وربما سذاجتها في بعض الأحيان وحبها الشديد لأهلها أكثر من أي شيء آخر بالدنيا ، ولم تكن تلك عيوباً جوهرية بالنسبة لأشرف بل كان يعتبرها ضرباً من الإيجابية حيث أنه شخص غيور جداَ ، رجل منذ زمن السبعينات ، كانت مها تلقبه برشدي أباظة ، وكان شبيهاً له بالفعل ، رجل طويل عريض المنكبين ، يهذب شاربه رغم أنه لم يعد متماشيا مع الموضة في تلك الأيام ، إلا أنه كان يعتز بذلك ولا يعير بالاً للموضة ولا لحداثة الأيام ، وحتى شدة حبها لأهلها كان يعتبرها ميزة فسوف تعيره نفس الحب بعد الزواج بل وهي احبته بالفعل منذ أول يوم التقيا فيه بالشاطيء .
على الشاطيء ،،
هنا التقيا ، منذ أول لقاء كان هناك تناغماً لا مثيل له ، انسجام في كل شيء ، هو شاعري حالم يعشق البحر والشمس والقمر ، يتابع فلكياً ويهوى التأمل ، هي مثله حالمة قارئة أصيلة تعشق الخيال ، لم ترتبط حتى التقت به حيث لم تستطع بقلبها وخيالها الواسع وحسها العالي في الفكر أن تنسجم مع أي من خطابها التي كانت تحضرهم خالتها عفاف ولا طنط شيرين جارتهم الثرثارة اللحوحة والمزعجة ، صاحبة الجملة الشهيرة " افرح بيكي عن قريب يارب " كلما اصطدمت بها على السلم ، حتى كرهت مها لقائها وكانت تتهرب من رؤيتها كمجرم هارب من أن يلتقي بظابط مباحث ويراه متلبساً بجريمته .
كان كل شيء يسير على مايرام إلا أنه دائماً تأتي الريح بما لا تشتهي السفن ، وربما يأتي الأشخاص بأنفسهم بما لا تشتهيه السفن ، فلقد كان أشرف غيورا ً جداً أكثر من اللازم ، غيرة قاتلة ، ربما آلمت في بعض الأحيان ، حيث تعميه وتجعله يتلفظ بكلام جارح بل ومهين في بعض الأحيان .
ولمحت مها تلك المشكلة من أول يوم تقابلا فيه فهو لم يستطع التوقف عن الشك منذ أول لقاء فكانت عينه على كل مار يمر بهما ولو وجد شخصا رمق أو أطال النظر نظر حوله بشذر وتوجس ، حتى قابلها المهندس احمد عبد السلام ، جارهم بسكنهم القديم ، ولم يرها منذ 10 سنوات ، منذ أن انتقلا لمكانهم الجديد بمصر الجديدة ، وتبادلا الحديث ، ولحسن حظ أحمد وسوء حظ أشرف يبدو وأنه كان معجباً بمها ، ولاحظ أشرف ذلك ، وتغيظ من ذلك وأخذ يسال نفسه بعد أن أنهى اللقاء الأول ماذا بي أتراني أغار عليها فليس من حقي ، ومن هنا بدأ يلحظ بداية انجذابه لمها ، إنه شرر الحب وغيرته العمياء ، وربما تحَكُمه المبالغ فيه .
الوحيد ،،
ويبدو أن البشمهندس احمد عبد السلام ، قد لاحظ نظرات إعجاب أشرف ، ولم ينتظر فطبيعته أنه يحب الحسم ، ولا يحب أن يترك الفرصة لتفلت من يديه وبادر بطلبه الإرتباط من مها ولنفس السبب رفضته مها حيث لا تتوافق شخصيتها الحالمة معها . وأنهى معها حواره أنه رغم نجاحه في كل شيء إلا أنه يرى نفسه وحيداً وأبلغها بأنه ليس الذنب ذنبها وإنما ربما العيب فيه هو .
الغيرة القاتلة ،،
كل الأحداث تدور في ذهن أشرف ، فهو لا يفعل شيئا سوى التذكر ، منذ أول يوم حتى آخر لقاء ، في ذلك المقهى المعروف والمحبب إليه والمطل على شاطيء استانلي بالأسكندرية ، وكان هذا المقهى يعني له الكثير ، هو ومها ، فكم تبادلا معا اجمل لقاءات الحب والتأمل وتبادل النقاش والأحاديث حول الكُتاب بل وحتى مشاكلهم في الحياة حتى طموحاتهم ونظرتهم للمستقبل والتي كانت بالنسبة لمها هو حلمها كحلم كل فتاة في ان تؤسس بيت يملؤه الحب والدفء والثقة وكان هذا يتناسب جداً وشخصية أشرف، لقد كانا نموذجاً فريداً من المرتبطين ، إنه الانسجام الذي قلما وجده زوجان مهما مرت بهم السنون ، وكانا يتغلبان على كل الصعاب وعيوب كلاهما الشخصية بالتنازل والتغاضي فذلك دواء أي علاقة إنسانية ، إلا أنه في تلك المرة لم تستطع مها أن تقدم تنازلاتها مثل كل مرة ، إنها الغيرة الحمقاء ، حين كانا معاً في نفس المقهى وتركها أشرف ليتلقي مكالمة عمل هامة ، وما ان عاد ووجد المهندس أحمد يسلم بحرارة على مها ويبلغها أنه لا يزال وحيد ولم يجد من تؤنس وحدته ، لم ينتظر أو يحاول أن يفهم الأمر ، ولكنه هاج في المكان واتهمها بالخيانة ، ونسج في مخيلته كل ضروب الخيانة وترجمها قولاً واحداً على لسانه فيه هيئة اهانات والقاء التهم جزافاً وهنا لم تستطع مها التحمل أكثر من ذلك وكانت بداية انسدال خيط الترابط أو انقطاعه بالمرة ، فهي لم تتحمل اهانتها امام كل الموجوين بالمكان وامام احمد ، الذي كان مذهولا وحاول مراراً وتكرارا ًأن يهدئه ويشرح له إلا أنه لم يهدأ وكان كالبركان المستعر ناراً فكلما حاولت أن تفنخ لتطفئه ازداد اشتعالاً .
لست وحدك ،،
في نفس المقهى بعد أن تركته مها بثلاثة أشهر ، لم تستطع أن تغفر له ، ولم يستطع أن يستسمحها هذه المرة ، بل وكانت نار الغيرة تكاد تعمي قلبه فلقد كان يساوره الشك حتى وهو يحاول اصلاح ما أفسده ولحدسها وشعورها بذلك قررت مها أن تبتعد رغم عذاب قلبها ؛
وما أن حاول أشرف أن يواجه نفسه بمشكلته الأزلية وبأنه مخطئا من رأسه حتى أخمص قدميه ، وبينما هو ذاهب لنفس المقهى ليسترجع ذكرياته أو يؤنس وحدته التي أودى بنفسه إليها ، لكن عندما دخل من باب المقهى هذه المرة كانت جالسةً هناك ، هي ذاتهَا ، لكن شخصًا ما كان يجلس على المقعد المقابل لهَا ، اقترب منها في انفعالٍ غاضب و أمسك بذراعهَا صارخًا :
- من هذا ؟!) وما أن دقق النظر ، فتأكد أنه هو نفسه م. احمد عبد السلام ، نعم لقد أخبرَته ـنهما ارتبطا ولا داعي للشوشرة في هذا المكان أيضا ويكفي ما حدث سابقاً واخبره أحمد أنه لم يعد من حقه أن يمسك بيدها ولا يخاطبها بأي شكل غير لائق من الآن فصاعدا ً ، انصرف أشرف بعد أن هنأها ويبلغها أنه هو الذي أصبح وحيداً وأنه كان مخطئاً واعتذر وتوجه للباب وهو يكلم نفسه وهو لا يزال غير مصدق ما رآه ، لم يستطع أن يصدق ، ورمقته مها بنظرة حزينة متأملة انها لاتزال تحبه ، وتمتمت في نفسها " لست وحدك " !
التقط أشرف أنفاسه مع آخر نفس سيكار أشعله ، يتأمل في شرفته ويتذكر كل ماحدث مخاطباً موج البحر الهائج الذي يبدو وكأنه ثائراً حزينا ً مثله قائلاً له :- " لست وحدك " !
***
القصة 5 
( رنة هاتفي)
انتصار محمد
رنه هاتف
إستيقظت على رنة هاتفي باكرآ!! من؟
احمد صديقي..
- صباح الخير أخبارك إيه أنت كويس؟
- صباح الفل أنا تمام أبشر اليوم أستقال زميل لي بالمدرسة ويحتاجون إلي بديل له اليوم و أنا قد رشحتك للعمل معي 
- حقآ؟
- أكيد طبعآ هيا أنهض و أرتدي ملابسك وتعالي المدرسة أنت تعرف العنوان.
- أجل ،، ساعة و أكون عندك إن شاءالله ، سلام.
أفقت وفى غضون ربع ساعه كنت جاهزآ ووصلت إلي المدرسة فى أقل من نصف ساعة كل شيء كان ميسر الحمدلله وقعت العقد وجلست مع صديقي أحمد يعرفنى على المكان و يشرح لى كيف أتعامل مع الطلاب كنت أنتظر بكل شوق الغد أول يوم لي بالعمل و التدريس الذى أحبه.
أستيقظت صباحأ و أنا فى قمة السعادة لشعورى بتحقيق أهدافي ذهبت إلي المدرسة ووقفت فى الفناء أنظر الي كل مكان بسعادة.. أنتبهت لصوت طلاب بالصف الابتدائي على ما أظن أنهم أصدقاء كانوا يتشاجران علي شىء ما أقتربت إليهم و فى أقترابي شاهدت طالبة بالصف الثانوي وشكلها مالوف بالنسبة لي وقفت أتذكر ولكن ما فعلته تلك الفتاة أسرنى كانت الصغيرة تقول لصديقتها بأنها أخذت نقودها منها ولكن تلك الفتاة الجميلة ذهبت إليها لتستفسر ما بها وظلت تعطى تلك الطفلة النقود مرة تلو مرة وتقول لها: 
- هما كانو بجوار باب المدرسة أبتسمت الصغيرة و أحتضنت تلك الجميلة، سرت وراء تلك الجميلة ونسيت أنى معلم بتلك المكان أعجبت بجرأتها وكنت أتابع تحركاتها كانت تمزح مع كل البنات الصغيرة بالمدرسة وسألت طالبة إلا تعلمى بأي صف أنا؟ 
- قالت لها نعم أعرف أنت بالصف الثالث أول أبتسمت الجميلة وأحتضنتها وذهبت ٱلي الصف.
أصدمت بالحائط و أنا أتتبعها تذكرت حصصى وعملي أسرعت الى مشرف الدور لأعلم أي فصل أحضر قال لي أول حصة لك فى فصل ٣ / ١ أبتسمت هذا فصل الجميلة التي كنت أتبعها ذهبت مسرعآ للفصل و لكن الجميلة واقفة لا تجد مكان لها أذهلنى الموقف! وقفت بعيدآ لأعرف السبب ولكن لا تريد أى طالبة ان تجلس مع تلك الجميلة لما؟؟ 
لا أعلم السبب دخلت الفصل وألقيت السلام على الطلاب أنا شريف مدرسة الرياضيات أتمني لكم سنة مليئة بالتفوق أذهلنى وقوف الجميلة سألتها: لما تقفين هكذا؟
- قالت لى لا أحد يريد أن أجلس معه،
سألت الطلاب: لما لا أحد يجيب؟
ردت هى و قالت: أنا نغم وهم لا يحبونى ولا أعلم السبب.
نظرت لهم وقالت أنتم لا تعرفونى حقآ أريد منكم فقط أن تأتوا إلي بيتي يومآ فقط أريد أن تعرفونى حقآ أتمني أنا يكون معي أرقام هاتفكم هذه آخر سنة لنا بالمدرسة وبعدها سنفترق كل منا يذهب لتحقيق هدفه بالجامعة أو بالحياة و أنا أريد أن نكون على تواصل ، 
قامت طالبة من مقعدها وذهبت لها و أخذتها بجوارها لكن ذلك أغضب كل الطلاب وظل ينظرون إلي تلك الفتاة بغضب شديد مما أخاف الفتاه وتركت المقعد فارغ لتلك الجميلة. 
أكملت حصتى وباقي الحصص وأنتظرت أنتهاء اليوم الدراسي بفارغ الصبر لأري صديقي أحمد و أتحدث معه خرجنا سويا أنا وهو سألته عن نغم أنت تعرف تلك الفتاة
- أجاب ومن لا يعرف نغم سلامه أبنه سلامة الجزار كل زملائها يخافون منها يعتقدون أنها مثل أبيها بينما كل الصغار يعشقونها لحنانها الدائم معهم عكس الكبار هم لا يعرفونها حقا،، إلا تعرفها أنها صديقتك علي الفيس بوك هى صوت الحرية تنادى بها دائمآ ل سوريا وباقي الدول هى صوت الحرية فعلا فتاة شجاعة وصريحة ومتفوقة ،، 
تذكرت عند رؤيتى لها أحسست بأنى أعرفها وقد تذكرت ،، تلك الفتاةالصادقة المحبه للسلام.
مرت الأيام وكل يوم كان يزداد حبي إليها أكثر فأكثر و أنتهت السنة الدراسية أعتاد والد نغم على عمل وليمة لكل المدرسين بالمدرسة عند أنتهاء العام الدراسي ذهبت أنا و أحمد وكل الزملاء إلي بيت جميلتي و ما أذهلنى فعلا ذلك المنزل مثل قصر أو متحف به لوح في غاية الجمال رسومات على الحائط خلابة إنبهرت لما رأت عيني من جمال سألت صديقي ما هذا الجمال؟ 
رد قائلا: 
- أنها والده نغم هي فنانة ومبدعة أمتنعت عن العمل و لكن زوجها المحب لها أتاح لها كل شيء لتبدع فى بيتها.
أزداد حبى ٱلى والدها و أمها التي حققت أحلامها فى بيتها و هى سعيدة بهذا ألتحقت نغم بكلية( سياسيةو أقتصاد) ذهبت الي والدها لطلب يديها أراد أن يأخذ رأي أبنته ووافقت نغم بى، سعادتى اكتملت حقا بموافقتها كنت أحبها بجنون وغيرتي كانت زائدة لحبى لها وهذا كان دومآ سبب خلاف بيننا وفي يوم ذهبت إلي المقهي لأقابل أحد أصدقائي و لكن عندما دخلت من باب المقهى كانت جالسةً هناك , هي ذاتهَا , لكن شخصًا ما كان يجلس على المقعد المقابل لهَا , إقتربت منها في أنفعالٍ غاضب و أمسكت بذراعهَا صارخًا :
- من هذا ؟!
فقالت لي: 
- أنه زميل الجامعة يشرح للجميع الأشياء التي تقف معنا و كان حظي أنني وصلت الأول...
و في تلك اللحظة أتت أكثر من فتاة و جلسوا معهم ولكنها لم تسامحني علي ما فعلت و أحست بخجل مما فعلته و بعد خروجنا من ذلك المكان تركتني وقالت:
- أسفة ولكنني لن أتحمل هذا الشك.
تركتني نادم حقا فلن أجد مثلها يومآ و أدعي الله أن تسامحني.
***
القصة 6
( المقهي )
سناء مصطفى
لم أنساها يومآ ! لكنني حاولت و كثيرآ، كنت أريد أن أتخطاها و أن أنسي أيام كانت تجمعنا معآ ، مر أكثر من عام علي فراقنا الغبي ، لم ألمح خطاها يومآ منذ عام ..
عام كامل يحمل أربعة فصول ، كل يوم أذهب إلي المقهي المفضل لدينا عسى أن ألمحها و لكن لا تأتي؛

أتذكر عند فراقنا قالت : لن أنساك و سأسامحك لكنني أعدك أنك لن تجد مثلي مرة أخري و حتي لن تجدني .
و كان هذا كله بسبب غبائي و تحكماتي و غيرتي ، لم أعرف يومآ ما بها أو ماذا تحمل بداخلها من وجع بسببي، تركتني في غمضة عين وهذا لأنني في أحدي الأيام قررت أن أتبعها و أعرف أين تذهب حين تقرر الأختفاء ، ظللت هذا اليوم ورائها دون علمها بالتأكيد ، وجدتها ذاهبة إلي المقهي المفضل لنا تعجبت قليلآ لن أنكر فهذا مكاننا فكيف لها أن تذهب هناك بدون علمي .. تركتها تدخل و بعد دقائق دخلت أنا و لكن عندما دخلت من باب المقهى كانت جالسةً هناك , هي ذاتهَا , لكن شخصًا ما كان يجلس على المقعد المقابل لهَا , أقتربت منها في أنفعالٍ غاضب و أمسكت بذراعهَا صارخًا :
- من هذا ؟!
ردت هي في وهن محاولة أخفاء أنفعالي عن الذي يجلس معها: 
- أعرفك هذا ...
لم أجعلها تكمل أوقفتها و قلت:
- لم أظن يومآ أنكي ستكونين هكذا.
ذهلت و تركتها دون أن تبرر لي و بعد يوم لم أجب علي أتصال واحد منها؛
وجدت في الصباح و أنا ذاهب لعملي ذات الشخص الغبي الذي كان معها كنت علي وشك أن أقتله و لكن كلماته أوقفتني قال لي أنه الطبيب الذي يعالجها نفسيآ بسببي، نعم أنا جعلتها تصل إلي طبيب أمراض نفسية فأنا يومآ أحبها و يومآ لا ، يومآ أعشقها و يومآ أعذبها .. لن أسامح نفسي علي ضمرها أبدا 
وجدت رسالة منها بها كلمات فراقها و من ثم أختفت! 
و أنا متأكد أنها الأن بسببي أنا تتعذب أبتعدت عن الكل عن الكل و لا يوجد شخصآ واحد بجانبها الأن و هي أختفت لم تظهر و كأنها ماتت .. أريد أن أراها يومآ واحد لأعتذر و لكنها لم تترك طريق واحد للوصول إليها.

_ أهدء يا أحمد أهدء، أريدك أن تمشي علي هذا المهدء و سأنتظرك في الجلسة القادمة .

***
قصة 7
 " عمى مؤقت "
آلاء عبدالسلام

ذلك اليوم ، المطر و الشتاء الحاني على الرغم من برودته ، و حمار خديها و طلاء الأظافر الذي أظهر طفولة أنوثتها ، معطفها الأسود ، و جاكيته الرمادي ، وألوان القلب التي تضادت مع الشتاء و البهتان ..
يذكر الدائرة المزيّنة التي أُلصقت إلى الزجاج باللون الأحمر عليها شجرةٌ مزخرفةٌ بالأخضر ، كلون وجنتيها و قلبها تماما .. ابتسامتها الواسعة و عيناها الضحوكتان .. الفرحة الخالصة ، تشبث اليدين الذي يقول بوضوح لقينا بعض .. كما تقول كلمات الأغنية التي تصدح بها ميكروفونات المطعم .. نظرات الجرسون الجريئة التي لم تفلح في كتم الحب في أعينهما .. كم كان الخجل مذموما وقتها ، كان في اتحاد المشاعر قوة تطغى على نظرات الناس ..بوده لو صرخ بهم : "ما بالكم يا حمقى .. سويعات قليلة تبخلون بها على قلوب عطشى ؟"
الصبرُ جميلٌ طعمه ، من قال أن به مرارة ؟! كيف تكون به مرارة إذ كانت نتيجته أن يغيب في هاته العينين ؟! 
مرت الساعاتُ كالدقائق و الدقائق كالثواني و كان حتماً عليهما أن يعودا .. و لكن طعم الفرحة استقر في قلبه فأنساه أي شقاء قد مر به يوما ، لم تترك يدها يده في طريق العودة .. 
هكذا كان ذلك اليوم في الماضي ..و الآن .. الآن .. 
شتان بين ماضٍ و حاضر ، بين الآن و الأمس .. عجيبٌ أن تمر الدقائق كالثواني في لحظات بعينها ثم تمر الثواني كالأيام في لحظات أخرى ، غريبٌ الزمن عندما يصبح متعاكساً مع مشاعرنا فيحيل اليبس أخضرا و الأخضرَ يبَسا .. 
أيبكي إنسانٌ عاقل بمجرد النظر إلى يديه ؟! هو يفعل .. فقد كانت تقول له دائما أن تفاصيل أيديهما متشابهة إلا أن يديه أكبر .. الأصابع و الأظافر و شكل اليد ! 
-هذه علامة .. يقول ضاحكاً فتضحك عيناها و شفتاها و وجهها و روحها ، يدق قلبه ..
- ابتسامتك تضيء كلَ الكون .. بلا مبالغة قالها ، بلا مجاملة ، هذه حقيقة واضحة كالشمس جليّة كالقمر .. 
أليس هذا واضحا من الصورة التي نزلت دموعه عليها فبللت الهاتف ؟! 
حتى هذا السور الذي يستند إليه استندا إليه معا .. 
و كما ذكر ابتسامتها ذكر عبوسها ، و كما ذكر حنانها ذكر جفاءها ، و كما ذكر حبها ذكر خيانتها .. 
أكانت تلك خيانة ؟ لا يدري حقا ، و لكنها كل مرة تعود ، تبكي و تطلب المساعدة .. تقول في إصرار : 
- سأنساه بك 
آهٍ كم حيرته تلك الكلمة ! أيفرح ؟ أيغضب ؟ 
يغلب غضبه فرحه إذ يقول : 
- أنا لست مادة للنسيان ! 
-حبي لك هو المسيطر علي حياتي .. 
- و قلبك ؟ 
- أنت مستقبلي 
-وقلبك ؟ 
- أنت الكامل المكمل ليس بك لمحة من دناءته ..
يصرخ بها : 
- و قلبك ؟! ماذا عن قلبك ؟! 
تبكي و لا ترد ، و يحتضنها بلا وعي ، تقول هامسة :
- وقلبي . 
فقط تلك الكلمة ، يرضى بها ، على الرغم من احتمالها عدة معانٍ ، على الرغم من المعنى الذي شعر به في قلبه هو .. 
أعماه حبه لها ؟! أم اختار أن يكون بإرادته أعمى ؟! كان يعلم أنه أعمى ولكنه كان يدرك أنه لن يتحمل حجم الجرح لو أبصر ، لذلك اختار أن يثق بها ، أن يصدق أن في قدره شيئا جميلا سيجعل حبها له يصبح حقيقيا حتى وإن لم يكن ..و هذه الثقة هي ما أسلمته إلى الألم ، الألم الخام الذي يشعر به الإنسان في قلبه فيدرك معناه في عقله بشفافية تهتك الروح نفسها .. أياماً قضاها في غرفته ينظر للفراغ ، لا يصدق غباءه و لا يصدق خيانتها و لا يصدق أي شيء ، حتى اللحظة التي يعيشها لا يصدقها ، لابد أن هذا كله وهم ، كابوس سيستيقظ منه في أي لحظة .. أين كانت بداية الكابوس ؟! صعبٌ أن يحدد ذلك و لكنها ربما كانت منذ زمن بعيد ، ربما منذ عرفها ، أو ربما منذ قرر أن يعمي نفسه عن ترددها و حيرتها في حبه و ربما لم يكن له بداية أو نهاية ، لكنه يذكر أنها كانت تتغير باستمرار ، مشاعرها تتردد بين الشوق و الجفاء ، البرود و اللهفة ، الحب و الا حب ..
-ابتعد عني لفترة .. لأعود لك إلى الأبد 
- لا أستطيع ، أخاف ألا تعودي 
- لأجلي ، أعدك أن أعود
و لأجلها ابتعد ، كان واثقا أنها ستعود ، هي أرق من أن تغدر ، أرقى من أن تخون ، كان يشغل نفسه كل الوقت كي يخفف من حدة الاشتياق ، اتفق ذات يوم مع صديقٍ له على اللقاء في مقهى ما ، فكر انه ربما لو اختلط بالناس ينسى لو قليلا ، تأخر عليه صديقه فترك سيارته و دخل من الباب ، و ما إن دخل حتى تمنى لو لم يخرج من داره مطلقا ، ظن أنه يتعافى من شوقه لها و لكن الشوق بداخله تحول إلى غضبٍ حارق فعندما دخل من باب المقهى.. كانت جالسةً هناك , هي ذاتهَا .. لكن شخصًا ما كان يجلس على المقعد المقابل لهَا ..اقترب منها في انفعالٍ غاضب و أمسك بذراعهَا صارخًا :
- من هذا ؟!
ولم ينتظر أن يسمع الإجابة ، كلُ شيء كان واضحا في عينيها ، خرج من باب المقهى فكأنما خرج من الحياة ..
الصبرُ مرٌ طعمه ، من قال أن الصبر جميل ؟! كيف يكون جميلاً إذ كانت نهايته ذلك الألم ؟! 
لبثت أياما لا تسأل حتى ان كان حيا أو ميتا ، ثم اتصلت به فلم يرد على مكالماتها ، حتى وجدها أمامه في بيته ، أدخلتها أمه إلى غرفته ، كانت تعلم أن روحه لن تُرد إلا بها .. أشاح بوجهه عنها فلمست أنامله ، بكت بصوت مكتوم ، سمع منها كل الكلام الذي توقع سماعه .. 
- لقد تركني مرة أخرى ، أعلم أنك ستقول لي أنك كنت تتوقع هذا ، أذكر تحذيرك لي عندما قلت : " من تركك مرة سيتركك ألف مرة " و لكني لم أتعظ ، انا لا أعلم لماذا أفعل ذلك ، أنا أحبك ، سامحني .. 
استندت إلى ركبته و زاد بكاؤها ، وضع يده على شعرها ، لا يعلم كيف ، لا يعلم لماذا ، لا يعلم ما هذه اللعنة التي أصابته بها ، و لكن شيئا أخضرا في قلبه بدأ ينمو مرة أخرى عندما نظر إلى عينيها و لم يستطع أن يقاوم لهفته إلى هذا الشيء الأخضر ! 
كان متحفظا قليلا في بداية أيام صلحه معها ، ثم ازداد نمو النبتة قليلا فأصبح أقل تحفظا ، ثم نمت النبتة إلى حد معقول فعاد حبه لها ، ثم كبرت النبتة و كبر حبه لها حتى فاض عما كان .. و كلما كبرت النبتة في قلبه صغرت النبتة في قلبها .. و اكتشف أنه أحمق ، كيف يقول لها كلاما لا يطبقه على نفسه ... 
" من تركك مرة سيتركك ألف مرة " وهي تركته الف مرة ، و عندما جاءت المرة الألف وواحد لم تعد إلى من ادعت انها تنساه به ،بل هاجرت بعيدا عنهما معا إلى أرض جديدة ، و كأن كل الحب حلال إلا حبه حرام ، من تنسى هذه المرة ؟! بمن تنسى من ؟! و لماذا ؟! لم يشغل باله بالجواب على أسئلته الحمقى التي لا فائدة تُرجى منها ..و لكنه تلك المرة و عندما مر من نفس المكان رأى كل التفاصيل مرة أخرى ، المطر ، البرد الحاني ، نظرة الجرسون الفضولية و الدائرة الحمراء المزينة بالأخضر تماما كلون قلبها القاسي المخادع .. و لكنه لم يرها ، رأى نفسه وحيدا بين كل هذه التفاصيل ، كأنه خلق وحده كما مات وحده .

***
القصة 8

يدها 
أمنية محمد 

(يدها)

استيقظ في الصباح الباكر كعادته، خرج ليتوضأ فوجدها تحضر طعام الفطور، ابتسم ثم ربت بحنو على كتفها و قال: كل يوم تعاني هكذا يا حبيبتي، ليس من الضروري فعل هذا كل يوم..
ابتسمت و هي تعانقه: حفظك الله لي يا حبيبي، أنا سعيدة هكذا، اذهب للصلاة و سأجهز الإفطار..
صلى و جلس إلى المائدة، و هي لا تأكل، سألها عن السبب فقالت أنها أفطرت بالفعل، تعجب من عدم انتظارها له و لكنه لم يشأ أن يحرجها، فتناول فطوره ثم أخذ يرشف الشاي على مهل أثناء سماع المذياع ..

رفعت الصحون من المائدة و نادت بصوت مرتفع: سوف أذهب للعمل يا حبيبي، لقد تركت لك الطعام في الفرن، و هناك بعض العصير في الثلاجة، و حافظة الشاي بجانبك، لن تحتاج لإشعال الموقد، أتريد أن أشتري لك شيئا ؟

رد قائلا : لا يا حبيبتي، لا تتأخري ..
ان اهتمامها به يدل على إخلاص و وفاء نادر منها في هذا الزمان، فكم اشتكى من هم في مثل وضعه ممن في مثل وضعها، و لكنها طيبة القلب حقا، صحيح أن هذا واجبها، و لكن أين من يقوم بواجبه هذه الأيام؟


رحلت و جلس يقرأ و يشاهد التلفاز..فكر في نفسه، يجب أن أذهب لطبيب العيون، يشعر بحاجته لفعل شيء ما و لكن لا يستطيع تذكر ما هو (ما هذه الرائحة؟ يبدو أنها آتية من المطبخ، يا للهول، لقد نسيت القهوة على النار) أطفأ الموقد دون أن يحاول صنع أخرى..
حاول حل الكلمات المتقاطعة و لكنه لم يقدر على تذكر كلمات كثيرة، يعرفها و لكن اللفظة نفسها صعبة الاسترجاع، قال لنفسه: لقد أصبح مستوى هذه اللعبة في هذه الجريدة صعب...بالتأكيد تغير المسئول عن وضعها..

أراد أن يشغل التلفاز مرة أخرى فلم يجد جهاز التحكم (أين هذا الصغير اللعين، لقد أصبح يضيع كثيرا)بحث عنه كثيرا ثم وجد ما شغله عنه، كارت عليه اسمها و به وظيفتها و مكان عملها، تساءل: كم الساعة الآن؟ يبدو أنه وقت انتهاء العمل، هل أذهب لاصطحابها؟ ستكون مفاجئة سعيدة لها، كما في الأيام الخوالي..
خرج من المنزل ثم نزل إلى الشارع (اللعنة لقد نسيت مفاتيح السيارة، و لكن لا يهم، معي المحفظة بها بعض النقود سأركب سيارة أجرة..)

ركب مع السائق و هو شارد، حتى وصل إلى العنوان الذي وصفه للسائق، ترجل ثم دخل إلى مقر الشركة، هل أستاذة حلم محمد موجودة، نظر إليه الموظفون و تبادلوا نظرات بها عجب شديد..
ثم تشجع أحدهم و قال: أستاذة حلم انتقلت لفرع الشركة في الدقي يا أستاذ..


(تبا كيف لم تخبره بهذا؟ أأصبحت تخفي عنه الأخبار، لم؟ انه قلق حقا عليها..)
أخذ بطاقة بها عنوان فرع الدقي و ذهب إلى هناك...عندما وصل وجد صعوبة في إيجاد مقر الشركة...فقرر الدخول إلى مقهى صادفه..
لكن عندما دخل من باب المقهى كانت جالسةً هناك , هي ذاتهَا , لكن شخصًا ما كان يجلس على المقعد المقابل لهَا , اقترب منها في انفعالٍ غاضب و أمسك بذراعهَا صارخًا :
- من هذا ؟!
ارتسم على وجهها و على وجه من معها تعبير غريب، مزيج من الرعب و القلق و الإحراج، قالت في قلق:
كيف أتيت إلى هنا؟ كيف فتحت الباب؟
تعجب من رد فعلها وقال: أي باب؟
قالت: باب الشقة، كان من الممكن أن تتأذى يا والدي..
رد عليها صارخا: ان كنت تخافين علي لخشيت على سمعتك، من هذا ؟
نظرت حولها في إحراج ثم تكلم من معها للمرة الأولى و قال: اجلس يا والدي، أريد أن أريك شيئا مهما..


جلس و هو غاضب،و أخذ الرجل الغريب يعبث في هاتفه قليلا ثم قال: ها قد وجدتها، انظر..
نظر في الهاتف ثم ارتفع حاجباه من الدهشة، ما هذا؟...هذه صورة له مع ابنته و هذا الغريب، و ابنته في هذه الصورة، ترتدي فستانا أبيض، كأنها عروس!!
هنا دمعت عيناه، لقد تذكر، هذا زوج ابنته، لقد كان فرحهما منذ وقت قريب،كيف ينسى زواج ابنته؟! هذا مستحيل..


دمعت عيناه و هو يسأل ابنته : و لكني أذكر أنك أفطرت معي بالصباح، كيف هذا؟ لم لم تكوني مع زوجك ؟
ردت باسمة: لقد أفطرت مع زوجي ثم ذهبت إلى شقتك لأحضر لك طعام الإفطار قبل أن أذهب للعمل، فنحن نسكن بالشقة المجاورة كما تعلم..
رن هاتفها فردت: نعم،حقا؟ لا انه هنا الآن الحمد لله، سأشرح لك لاحقا، مع السلامة..
عادت نظرة القلق في عينيها ثم قالت: هل ذهبت لفرع المنيل أولا يا والدي؟
رد: نعم، لم لم تخبريني بانتقالك؟
- لقد أخبرتك يا والدي و أعطيتك البطاقة الجديدة..
البطاقة، لقد تذكر، لقد وجدها اليوم و هو يبحث عن شيء ما، تحسس جيبه، و هنا أدرك شيئا جديدا، تأمل ما يرتدي قليلا، ثم شعر بغصة و فاضت عيناه بالدمع..
- لقد نسيت حتى أن أغير ملابسي، أنا خرجت بملابس النوم..
ردت ابنته و هي تمسك بيده: هون عليك يا أبي، انه إخفاق مني، لقد نسيت إغلاق الباب بالمفتاح مثل كل يوم، و حمدا لله أنك هنا، كنت سأموت لو ضعت، هيا بنا لنذهب إلى البيت، لا تترك يدي أبدا..
نظر إلى يدها و هي تمسك يده بقوة و تعجب، لقد أمسك يدها طول عمرها، متى أصبحت يدها أقوى ؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مجتمع مصر

اقتن نسختك الآن

اقتن نسختك الآن

التبادل الاعلانى

Discussion

جميع الحقوق محفوظه © دار إنسان للنشر

تصميم الورشه